للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الرِّقَّ الْمُنَصِّفَ لِلْحِلِّ فِيهِمْ قَائِمٌ.

(قَالَ:) وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي مَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ فَيَسْتَبِدُّ الْعَبْدُ بِهِ كَالطَّلَاقِ، وَأَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: ٧٥] وَالنِّكَاحُ شَيْءٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَهُوَ عَاهِرٌ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ فِي النِّكَاحِ تَعْيِيبَهُ، وَفِيهِ شَغْلُ مَالِيَّتِهِ بِالْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَمَالِيَّتُهُ مِلْكُ مَوْلَاهُ، فَلَا يَمْلِكُ شَغْلَ ذَلِكَ بِتَصَرُّفِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ رَقَبَتَهُ أَوْ رَهَنَهُ بِمَالٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ مَنْفَعَةُ ذَلِكَ تَرْجِعُ إلَى الْمَوْلَى، فَإِذَا تَزَوَّجَ وَلَا مَنْفَعَةَ فِي عَقْدِهِ لِلْمَوْلَى أَوْلَى أَنْ لَا يَجُوزَ، وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَابْنُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَتَزَوَّجُ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الرِّقَّ الْمُوجِبَ لِلْحَجْرِ فِيهِمْ، فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لَهُمْ فِي ذَلِكَ جَازَ الْعَقْدُ، فَإِنَّ الْمَوْلَى لَوْ بَاشَرَ تَزْوِيجَهُمْ جَازَ فَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُمْ فِيهِ، إلَّا أَنَّ فِي الْمُكَاتَبِ يُحْتَاجُ إلَى رِضَاهُ إذَا بَاشَرَهُ الْمَوْلَى، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى فَبَاشَرَهُ الْمُكَاتَبُ يَجُوزُ أَيْضًا، وَهَذَا بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ أَمَتَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِلْمَوْلَى وَتَزْوِيجُهَا مِنْ عُقُودِ الِاكْتِسَابِ فَيَمْلِكُهُ الْمُكَاتَبُ، فَأَمَّا تَزْوِيجُهُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ عُقُودِ الِاكْتِسَابِ وَرَقَبَتُهُ مَمْلُوكَةٌ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ زَوَّجَتْ أَمَتَهَا جَازَ ذَلِكَ، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ بِنَفْسِهَا لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ الْمَوْلَى لِقِيَامِ مِلْكِ الْمَوْلَى فِي رَقَبَتِهَا.

(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَأَجَازَهُ جَازَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ فِي الِانْتِهَاءِ كَإِذْنِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا الْعَبْدُ ثَلَاثًا بَعْدَ إجَازَةِ الْمَوْلَى طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا صَحَّ كَانَ الْعَبْدُ فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا كَالْحُرِّ، وَلَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى النِّكَاحَ لَمْ يَقَعْ النِّكَاحُ، وَلَكِنْ يَكُونُ هَذَا مُتَارَكَةً لِلنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَخْتَصُّ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَنِكَاحُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَكِنَّ إيقَاعَ الطَّلَاقِ يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الْحِلِّ عَنْ الْمَحَلِّ وَإِيقَاعِ الْفُرْقَةِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ نِكَاحًا صَحِيحًا، فَلَا يُؤَثِّرُ فِي هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ، وَلَكِنْ يُؤَثِّرُ فِي رَفْعِ الشُّبْهَةِ حَتَّى لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَلَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ يَلْزَمُهُ الْحَدُّ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْمَوْلَى ذَلِكَ الْعَقْدَ، وَلَكِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ابْتِدَاءً، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَحَلِّ بِوُقُوعِ التَّطْلِيقَاتِ عَلَى الْمَحَلِّ وَلَمْ يَقَعْ هُنَا، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا لَا يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>