للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا طَلَاقًا قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ» وَلَوْ أَجَازَ الْمَوْلَى ذَلِكَ النِّكَاحَ فَإِجَازَتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إنَّمَا تَعْمَلُ فِي حَالِ تَوَقُّفِ الْعَقْدِ وَقَدْ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ بِمَا أَوْقَعَهُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَبِدُّ بِالطَّلَاقِ لَوْ أَوْقَعَهُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ ارْتَفَعَ النِّكَاحُ، فَإِذَا أَوْقَعَهُ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ أَوْلَى أَنْ يَرْتَفِعَ الْعَقْدُ بِهِ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ هَذَا كَرِهْتُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا.

وَلَوْ فَعَلَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ، وَجْهُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الطَّلَاقَ غَيْرُ وَاقِعٍ عَلَى الْمَحَلِّ، وَحُرْمَةُ الْمَحَلِّ بِاعْتِبَارِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ إجَازَةَ الْمَوْلَى لِلْعَقْدِ بَاطِلٌ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَلَوْ لَمْ يُجِزْ الْعَقْدَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِإِذْنِهِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ إجَازَتِهِ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفٌ يَنْبَنِي عَلَى النِّكَاحِ، وَإِجَازَةُ الْعُقُودِ يَتَضَمَّنُ إجَازَةَ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ، فَاعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْنَى يُوجِبُ نُفُوذَ الطَّلَاقِ وَحُرْمَةَ الْمَحَلِّ فَجَعَلْنَاهُ مُعْتَبَرًا فِي الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي حَقِيقَةِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ، وَلَكِنَّ هَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ عِنْدَهُ الْمُشْتَرَى مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أُعْتِقَ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا أَنْ لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ طَلَاقَ الْعَبْدِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْمَوْلَى، لَكِنَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنْ نَقُولَ: الْإِجَازَةُ فِي الِانْتِهَاءِ كَالْإِذْنِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَالْإِذْنُ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ حَقِيقَةً فَكَذَلِكَ بِوُجُودِ صُورَةِ الْإِجَازَةِ فِي الِانْتِهَاءِ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ، تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلنِّكَاحِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَوْ أُعْتِقَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَوْلَى نَفَذَ نِكَاحُهُ فَاعْتِبَارُ هَذَا الْجَانِبِ يُوجِبُ نُفُوذَ طَلَاقِهِ، وَاعْتِبَارُ جَانِبِ حَقِّ الْمَوْلَى يَمْنَعُ نُفُوذَ طَلَاقِهِ، فَلِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ تَثْبُتُ صِفَةُ الْكَرَاهَةِ احْتِيَاطًا؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ تَحِلُّ لَهُ كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ.

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ حُرَّةً بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى جَازَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ لَهُ قَوْلٌ مُلْزِمٌ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ نُفُوذُ نِكَاحِهِ لِحَقِّ مَوْلَاهُ، فَإِذَا أَسْقَطَ الْمَوْلَى حَقَّهُ بِالْعِتْقِ فَيَنْفُذُ النِّكَاحُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ فَأَجَازَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَامَ مَقَامَ الْبَائِعِ فِي مِلْكِهِ رَقَبَتَهُ فَكَذَلِكَ فِي إجَازَةِ عَقْدِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مَا طَرَأَ بِالْبَيْعِ حِلٌّ نَافِذٌ عَلَى الْحِلِّ الْمَوْقُوفِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي فَلِهَذَا كَانَتْ إجَازَتُهُ كَإِجَازَةِ الْبَائِعِ، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَازَ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ.

(قَالَ:) وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي النِّكَاحِ لَمْ يَمْلِكْ أَنْ يَتَزَوَّجَ إلَّا امْرَأَةً وَاحِدَةً عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

<<  <  ج: ص:  >  >>