الظَّاهِرُ مَقَامَ الْمَعْنَى الْبَاطِنِ تَيْسِيرًا فَيَنْتَسِخُ بِهِ حُكْمُ لَبَنِ الْأَوَّلِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: كَوْنُ اللَّبَنِ مِنْ الْأَوَّلِ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ، وَاللَّبَنُ يَزْدَادُ تَارَةً وَيَنْقُصُ أُخْرَى بِاعْتِبَارِ الْغِذَاءِ، فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قُوَّةِ الْغِذَاءِ لَا مِنْ الْحَبَلِ الثَّانِي، فَلَا يَنْتَسِخُ بِهِ حُكْمُ اللَّبَنِ مِنْ الْأَوَّلِ حَتَّى يَتَعَرَّضَ مِثْلُ ذَلِكَ السَّبَبِ مِنْ الثَّانِي، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْوِلَادَةِ.
(قَالَ:) وَلَا يَجْتَمِعُ حُكْمُ الرَّضَاعِ لِرَجُلَيْنِ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا لَا يَجْتَمِعُ حَلَالًا شَرْعًا فَكَذَلِكَ مَا يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ، وَلَكِنْ مَا بَقِيَ الْأَوَّلُ لَا يَثْبُتُ الثَّانِي وَإِذَا ثَبَتَ الثَّانِي انْتَفَى الْأَوَّلُ.
(قَالَ:) وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً أَرْضَعَتْهُ رَضَاعًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ يَكْتَفِي الصَّبِيُّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، وَمِنْ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ مَنْ اعْتَبَرَ ثَلَاثَ رَضَعَاتٍ لِإِيجَابِ الْحُرْمَةِ، وَاسْتَدَلَّ مَنْ شَرَطَ الْعَدَدَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَحْرُمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ، وَلَا الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ.» وَفِي حَدِيثِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ فَنُسِخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُتْلَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا نَسْخَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: ٢٣] أَثْبَتَ الْحُرْمَةَ بِفِعْلِ الْإِرْضَاعِ فَاشْتِرَاطُ الْعَدَدِ فِيهِ يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ، وَمِثْلُهُ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ. وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرَّضَاعُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ» يَعْنِي فِي إيجَابِ الْحُرْمَةِ، وَلِأَنَّ هَذَا سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْوَطْءِ، أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَتْلُوًّا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ، وَنَسْخُ التِّلَاوَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجُوزُ فَلِمَاذَا لَا يُتْلَى الْآنَ.؟ وَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ «فَدَخَلَ دَاجِنٌ الْبَيْتَ فَأَكَلَهُ» وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ ذَهَبَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يُثْبِتْهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ، فَإِنَّمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ إرْضَاعُ الْكَبِيرِ مَشْرُوعًا وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الثَّانِي، فَإِنَّ إنْبَاتَ اللَّحْمِ وَإِنْشَازَ الْعَظْمِ فِي حَقِّ الْكَبِيرِ لَا يَحْصُلُ بِالرَّضْعَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكَانَ الْعَدَدُ مَشْرُوعًا فِيهِ ثُمَّ انْتَسَخَ بِانْتِسَاخِ حُكْمِ إرْضَاعِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(قَالَ:) وَالسَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يُثْبِتُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ، فَإِنَّ السَّعُوطَ يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ فَيَتَقَوَّى بِهِ، وَالْوَجُورُ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute