للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَحْصُلُ بِهِ إنْبَاتُ اللَّحْمِ وَإِنْشَازُ الْعَظْمِ، فَأَمَّا الْإِقْطَارُ فِي الْأُذُنِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لِضِيقِ ذَلِكَ الثُّقْبِ، وَكَذَلِكَ الْإِقْطَارُ فِي الْإِحْلِيلِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَصِلُ إلَى الْمَثَانَةِ، فَلَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ عَادَةً، وَكَذَلِكَ الْحُقْنَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إذَا احْتَقَنَ صَبِيٌّ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: لَيْسَ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ عَيْنُ الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ بَلْ حُصُولُ مَعْنَى الْغِذَاءِ لِيَثْبُتَ بِهِ شُبْهَةُ الْبَعْضِيَّةِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ الْأَعَالِي لَا مِنْ الْأَسَافِلِ ثُمَّ بَيَّنَ مَنْ يَحْرُمُ بِسَبَبِ الرَّضَاعَةِ، وَالْحَاصِلُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ، فَكَمَا أَنَّ الْحُرْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالنَّسَبِ فِي حَقِّ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ تَتَعَدَّى إلَى الْجَدَّاتِ وَالنَّوَافِلِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ فَكَذَلِكَ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ.

(قَالَ:) وَلَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهَكَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِصَالِ، وَلَا يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ، وَلَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ، وَلَا وِصَالَ فِي صِيَامٍ، وَلَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَلَا عِتْقَ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَلَا وَفَاءَ فِي نَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلَا يَمِينَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَلَا تَغَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ» وَالْكَلَامُ هُنَا فِي فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تَثْبُتُ بِإِرْضَاعِ الْكَبِيرِ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ لِحَدِيثِ «سَهْلَةَ امْرَأَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، فَإِنَّهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَا انْتَسَخَ حُكْمُ التَّبَنِّي بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب: ٥] فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ تَبَنَّى سَالِمًا فَكُنَّا نُعِدُّهُ وَلَدًا لَهُ، وَإِنَّ لَنَا بَيْتًا وَاحِدًا فَمَاذَا تَرَى فِي شَأْنِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَرَى الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَرْضِعِي سَالِمًا خَمْسًا تَحْرُمِينَ بِهَا عَلَيْهِ» وَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَخَذَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَتَّى كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ أَمَرَتْ أُخْتَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَوْ بَعْضَ بَنَاتِ أُخْتِهَا أَنْ تَرْضِعَهُ خَمْسًا، ثُمَّ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّ غَيْرَهَا مِنْ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُنَّ يَأْبَيْنَ ذَلِكَ وَيَقُلْنَ لَا نَرَى هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا رُخْصَةً لِسَهْلَةَ خَاصَّةً، ثُمَّ هَذَا الْحُكْمُ انْتَسَخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» وَذَلِكَ فِي الْكَبِيرِ لَا يَحْصُلُ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ» يَعْنِي مَا يَرُدُّ الْجُوعَ، وَذَلِكَ بِإِرْضَاعِ الْكَبِيرِ لَا يَحْصُلُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «الرَّضَاعُ مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ وَكَانَ قَبْلَ الطَّعَامِ» وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -

<<  <  ج: ص:  >  >>