يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهَا، وَيَسَعُهُ الْمُقَامُ مَعَهَا حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَثْبُتُ الرَّضَاعُ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ يُعْتَبَرُ فِيهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ لِتَقُومَ كُلُّ امْرَأَتَيْنِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَزَعَمَ أَنَّ الرَّضَاعَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بِالثَّدْيِ، وَلَا تَحِلُّ مُطَالَعَتُهُ لِلْأَجَانِبِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الرَّضَاعُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ؛ لِأَنَّ ذَا الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ يَنْظُرُ إلَى الثَّدْيِ وَهُوَ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ كَمَا تَحْصُلُ بِالْإِرْضَاعِ مِنْ الثَّدْيِ تَحْصُلُ بِالْإِيجَارِ مِنْ الْقَارُورَةِ، وَذَلِكَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ، وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتْ عَدْلًا، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - «أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةَ أَبِي هَانِئٍ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ وَأَخْبَرَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ ثَانِيًا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ ثَالِثًا فَقَالَ فَارِقْهَا إذَنْ، فَقَالَ: إنَّهَا سَوْدَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: لَا يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَيْنِ وَلِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ هَذِهِ الْحُرْمَةِ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَالْحُرْمَةِ بِالطَّلَاقِ، وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَلِيلُنَا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْرَضَ عَنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ» فَلَوْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا رَأَى مِنْهُ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ إلَى قَوْلِهَا حَيْثُ كَرَّرَ السُّؤَالَ أَمَرَهُ أَنْ يُفَارِقَهَا احْتِيَاطًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ تِلْكَ الشَّهَادَةَ كَانَتْ عَنْ ضِغْنٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ تَسْتَطْعِمُنَا فَأَبِينَا أَنْ نُطْعِمَهَا فَجَاءَتْ تَشْهَدُ عَلَى الرَّضَاعِ» وَبِالْإِجْمَاعِ بِمِثْلِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ احْتِيَاطًا عَلَى وَجْهِ التَّنَزُّهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» وَعِنْدَنَا إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهَا صَادِقَةٌ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْهَا وَيَأْخُذَ بِالثِّقَةِ، سَوَاءٌ أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ قَبْلَ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوْ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَسَوَاءٌ شَهِدَ بِهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ، فَأَمَّا الْقَاضِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ ثِقَةً حَجَّةٌ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الْحُكْمِ وَالْقَاضِي لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِالْحُجَّةِ الْحُكْمِيَّةِ، فَأَمَّا إذَا قَامَتْ عِنْدَهُ حُجَّةٌ دِينِيَّةٌ يُفْتِي لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ بِالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ تَحِلُّ لَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ.
(قَالَ:) وَإِذَا نَزَلَ لِلْمَرْأَةِ لَبَنٌ وَهِيَ بِكْرٌ لَمْ تَتَزَوَّجْ فَأَرْضَعَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute