أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا وَجَبَ اعْتِبَارُ بَعْضِ الْحَوْلِ وَجَبَ اعْتِبَارُ كُلِّهِ، وَتُقَدَّرُ مُدَّةُ الْفِطَامِ بِحَوْلٍ؛ لِأَنَّهُ حَسَنٌ لِلِاخْتِبَارِ وَالتَّحَوُّلِ بِهِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ.
(قَالَ:) فَإِنْ فُطِمَ الصَّبِيُّ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ ثُمَّ أُرْضِعَ فِي مُدَّةِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ فِي مُدَّةِ الْحَوْلَيْنِ عِنْدَهُمَا فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ لِوُجُودِ الْإِرْضَاعِ فِي الْمُدَّةِ، فَصَارَ الْفِطَامُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: هَذَا إذَا لَمْ يَتَعَوَّدْ الصَّبِيُّ الطَّعَامَ حَتَّى لَا يَكْتَفِي بِهِ بَعْدَ هَذَا الْفِطَامِ، فَأَمَّا إذَا صَارَ بِحَيْثُ يَكْتَفِي بِالطَّعَامِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِرَضَاعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَا صَارَ بِحَيْثُ يَكْتَفِي بِالطَّعَامِ فَاللَّبَنُ بَعْدَهُ لَا يُغَذِّيهِ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَعْنَى الْبَعْضِيَّةِ، بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: وَكَانَ قَبْلَ الطَّعَامِ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالطَّعَامِ.
(قَالَ:) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ أُمَّ ابْنِهِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مِنْ النَّسَبِ فَكَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا، وَهَذَا مِنْ النَّسَبِ لَا يَحِلُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ ابْنِهِ لَا لِأَجْلِ النَّسَبِ، وَلَكِنْ لِأَنَّهَا رَبِيبَتُهُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الرَّضَاعِ فَلِهَذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ يَتَزَوَّجُ أُخْتَ أُخْتِهِ مِنْ الرَّضَاعِ وَمِثْلُهُ مِنْ النَّسَبِ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أُخْتَ أُخْتِهِ مِنْ النَّسَبِ يَحِلُّ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ لَهُ أَخٌ لِأَبٍ وَأُخْتٌ لِأُمٍّ فَلِأَخِيهِ لِأَبِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ لِأُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ بَيْنَهُمَا مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّضَاعِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَةَ عَمِّهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ ابْنَةَ عَمَّتِهِ أَوْ ابْنَةَ خَالِهِ أَوْ ابْنَةَ خَالَتِهِ كَمَا لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ النَّسَبِ، وَكَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ الَّتِي أَرْضَعَتْ أَخَاهُ أَوْ مَا بَدَا لَهُ مِنْ وَلَدِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا رَضَاعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ.
(قَالَ:) وَلَا يَجْمَعُ الرَّجُلُ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَابْنَةِ أُخْتِهَا أَوْ ابْنَةِ أَخِيهَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ امْرَأَةٍ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ لِلْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي النَّسَبِ أَنَّ كُلَّ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا ذَكَرًا، وَالْأُخْرَى أُنْثَى لَمْ يَجُزْ لِلذَّكَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُنْثَى، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ عَلَى حُرْمَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَكَذَلِكَ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ حُرْمَةَ هَذَا الْجَمْعِ لَيْسَ لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الرَّضِيعَتَيْنِ رَحِمٌ، وَحُرْمَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا ثَابِتَةٌ.
(قَالَ:) وَإِذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِ الْأَوَّلِ وَلَدًا وَهِيَ تَحْتَ الزَّوْجِ الثَّانِي فَالرَّضَاعُ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَنْ كَانَ نُزُولُ اللَّبَنِ مِنْهُ لَا مَنْ هِيَ تَحْتَهُ، وَنُزُولُ هَذَا اللَّبَنِ كَانَ مِنْ الْأَوَّلِ.
(قَالَ:) وَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الرَّضَاعِ أَجْنَبِيَّةً كَانَتْ أَوْ أُمَّ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute