للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ فَخَلَطَ لَبَنَهَا بِلَبَنِ بَقَرَةٍ أُخْرَى فَشَرِبَهُ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.

(قَالَ:) الرَّضَاعُ بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ وَالْوَطْءِ فِي إثْبَاتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُوجَدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.

(قَالَ:) وَإِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ تَحِلَّ لِابْنِهِ، وَلَا لِأَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا، وَلَا ابْنَتُهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ كَمَا لَا تَحِلُّ لِابْنِهِ وَأَبِيهِ نَسَبًا، فَإِنَّ هَذِهِ الْحُرْمَةَ تَعَلَّقَتْ بِأَسَامٍ تَثْبُتُ تِلْكَ الْأَسَامِي بِالرَّضَاعَةِ وَهِيَ الْأُبُوَّةُ وَالْأُمُومَةُ، وَكَذَلِكَ لَا يَتَزَوَّجُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ أُخْتَهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَلَا ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِاسْمِ الْأُخْتِيَّةِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالرَّضَاعِ كَمَا يَتَحَقَّقُ بِالنَّسَبِ، وَالْعِدَّةُ تَعْمَلُ عَمَلَ صُلْبِ النِّكَاحِ فِي الْمَنْعِ مِنْ النِّكَاحِ.

(قَالَ:) وَإِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّةَ فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ أُمُّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ أَوْ أُخْتُهُ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ امْرَأَةُ ابْنِهِ بِلَبَنِ ابْنِهِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ تَمْنَعُ النِّكَاحَ بِعِلَّةِ الْمُنَافَاةِ، فَإِنَّ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي الْمَحَلِّ مُنَافَاةً وَالْمُنَافِي كَمَا يُؤَثِّرُ إذَا اقْتَرَنَ بِالنَّسَبِ يُنَافِي الْبَقَاءَ إذَا طَرَأَ عَلَيْهِ، فَإِذَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ بِذَلِكَ نِصْفُ الْمَهْرِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ حَصَلَتْ لَا بِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا أَوْ حَصَلَتْ بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَهِيَ الْمَحْرَمِيَّةُ، فَيَجِبُ نِصْفُ الصَّدَاقِ لَهَا وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الَّتِي أَرْضَعَتْهَا إنْ كَانَتْ أَرَادَتْ الْفَسَادَ أَوْ عَمَدَتْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ أَخْطَأَتْ أَوْ أَرَادَتْ الْخَيْرَ بِأَنْ خَافَتْ عَلَى الرَّضِيعِ الْهَلَاكَ مِنْ الْجُوعِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهَا، وَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا تَعَمُّدُ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ فِي بَاطِنِهَا لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِ قَوْلِهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِي نِيَّتِهَا إذَا أَرَادَتْ الْفَسَادَ أَوْ لَمْ تُرِدْ؛ لِأَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لِهَذِهِ الْفُرْقَةِ لَا مُبَاشِرَةٌ، فَإِنَّهَا مُبَاشِرَةٌ لِلْإِرْضَاعِ وَهُوَ لَيْسَ بِسَبَبٍ مَوْضُوعٍ لِلْفُرْقَةِ، وَالْمُسَبِّبُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي تَسَبُّبِهِ يَكُونُ ضَامِنًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا لَا يَضْمَنُ كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا يَضْمَنُ مَا يَسْقُطُ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَافِرِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، فَإِذَا أَرَادَتْ الْفَسَادَ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً فِي السَّبَبِ وَإِذَا لَمْ تُرِدْ الْفَسَادَ لَمْ تَكُنْ مُتَعَدِّيَةً فِي السَّبَبِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ الْمُتَسَبِّبَ كَالْمُبَاشِرِ، وَلِهَذَا جَعَلَ فَتْحَ بَابِ الْقَفَصِ وَالْإِصْطَبْلِ وَحَلَّ قَيْدِ الْآبِقِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ، وَفِي الْمُبَاشَرَةِ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرُ الْمُتَعَدِّي سَوَاءٌ فَكَذَلِكَ فِي التَّسَبُّبِ عَلَى قَوْلِهِ، وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرْجِعُ بِمَهْرِ مِثْلِ الْمَنْكُوحَةِ؛ لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْ مِلْكَ نِكَاحِهِ فِيهَا، وَمِلْكُ

<<  <  ج: ص:  >  >>