للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ فَسَوَاءٌ رَجَعَ أَوْ ثَبَتَ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا بِزَعْمِهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ يَقَعُ فِيهِ الِاشْتِبَاهُ فَقَدْ يَقَعُ عِنْدَ الرَّجُلِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ رَضَاعٌ فَيُخْبِرُ بِذَلِكَ ثُمَّ يَتَفَحَّصُ عَنْ حَقِيقَةِ الْحَالِ فَيَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ قَدْ غَلِطَ فِي ذَلِكَ، وَفِيمَا يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ يَجِبُ قَبُولُ قَوْلِهِ شَرْعًا لِوَجْهَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ، فَإِذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُمَا قَدْ غَلِطَا، فَلَيْسَ هُنَا مَنْ يُكَذِّبُهُمَا فِي خَبَرِهِمَا.

(وَالثَّانِي) أَنَّ إقْرَارَهُ فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَكُنْ عَلَى نَفْسِهِ إنَّمَا كَانَ عَلَيْهَا بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَالْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ صِفَةُ الْمَحَلِّ وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَكُونُ لَازِمًا، فَإِذَا ذَكَرَ أَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ فَهُوَ لَا يُرِيدُ بِهَذَا إبْطَالَ شَيْءٍ لَزِمَهُ فَلِهَذَا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ثُمَّ أَكْذَبَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَقَالَتْ أَخْطَأْتُ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَلَا تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ عَلَى قَوْلِهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحْرَمِيَّةِ لَا تَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ مُتَمَثِّلٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَلَكِنَّ الثَّابِتَ عَلَى الْإِقْرَارِ كَالْمُجَدِّدِ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِقْرَارُهَا بِالْمَحْرَمِيَّةِ بَعْدَ الْعَقْدِ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ إقْرَارُهَا بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إقْرَارُهُ بِالْحُرْمَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَزَوَّجَهَا، فَإِنْ قِيلَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بَعْدَ النِّكَاحِ قُلْنَا إنَّمَا لَا يَجِبُ لِوُجُودِ التَّصْدِيقِ مِنْهَا عَلَى بُطْلَانِ أَصْلِ النِّكَاحِ، أَوْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِالْقَصْدِ إلَى إسْقَاطِ الْمَهْرِ إذْ سَبَقَ الْإِقْرَارُ مِنْهُ بِوُجُوبِ الْمَهْرِ بِالنِّكَاحِ، يُوَضِّحُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا فِي الْمِلْكِ، إمَّا بِالْمُنَافَاةِ أَوْ بِالْإِزَالَةِ، وَإِقْرَارُ الرَّجُلِ مُؤَثِّرٌ فِي ذَلِكَ فَكَانَ مُعْتَبَرًا فِي الْمَنْعِ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ، وَإِقْرَارُ الْمَرْأَةِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي ذَلِكَ، فَلَا يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ.

(قَالَ:) وَإِذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ وَثَبَتَ عَلَيْهَا وَأَشْهَدَ الشُّهُودَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْهُ الْمَرْأَةُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ ثُمَّ جَاءَتْ بِهَذِهِ الْحُجَّةِ بَعْدَ النِّكَاحِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَنْفَعُهُ جُحُودُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ عَلَى مَقَالَتِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَزَعَمَ أَنَّهُ حَقٌّ لَا غَلَطَ فِيهِ فَقَدْ لَزِمَهُ حُكْمُ إقْرَارِهِ وَصَارَ كَالْمُجَدِّدِ لِذَلِكَ الْإِقْرَارِ بَعْدَ النِّكَاحِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَنْفَعُهُ الْجُحُودُ، وَلَوْ أَقَرَّا بِذَلِكَ جَمِيعًا ثُمَّ كَذَّبَا أَنْفُسَهُمَا، وَقَالَا: أَخْطَأْنَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَابُ فِي النَّسَبِ لَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا إلَّا مَا بَيَّنَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَلَطَ وَالِاشْتِبَاهَ فِيهِ أَظْهَرُ، فَإِنَّ سَبَبَ النَّسَبِ أَخْفَى مِنْ سَبَبِ الرَّضَاعِ فَكَمَا أَنَّ هُنَاكَ الْإِقْرَارُ بِدُونِ الثَّبَاتِ عَلَيْهِ لَا يُوجِبُ الْحُرْمَةَ فَكَذَلِكَ هُنَا.

(قَالَ:) وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا بَعْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>