النِّكَاحِ هِيَ أُخْتِي أَوْ ابْنَتِي أَوْ أُمِّي مِنْ الرَّضَاعَةِ ثُمَّ قَالَ: أَخْطَأْتُ أَوْ أَوْهَمْتُ فَالنِّكَاحُ بَاقٍ اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا النُّطْقِ، وَقَالَ هُوَ حَقٌّ فَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ جَحَدَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَعْهُ جُحُودُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا كَانَ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ بِشَرْطِ الثَّبَاتِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَالَ: أَوْهَمْتُ فَقَدْ انْعَدَمَ مَا هُوَ شَرَطَهُ، فَلَا يُوجِبُ الْفُرْقَةَ، وَإِذَا ثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ وُجِدَ مَا هُوَ شَرْطُ الْإِقْرَارِ فَثَبَتَ حُكْمُهُ وَهُوَ الْفُرْقَةُ ثُمَّ لَا يَنْفَعُهُ جُحُودُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هَذِهِ أُخْتِي أَوْ هَذِهِ ابْنَتِي، وَلَيْسَ لَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ ثُمَّ قَالَ: أَوْهَمْتُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ هَذَا ابْنِي أَوْ هَذِهِ ابْنَتِي ثُمَّ قَالَ: أَوْهَمْتُ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَالْفَرْقُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ بِالنَّسَبِ فِي عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ مُلْزِمٌ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مُوجِبًا فِي مِلْكِهِ وَهُوَ زَوَالُ الْمِلْكِ، فَإِنَّ مَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ لِمَا أَقَرَّ بِهِ مُوجَبٌ فِي مِلْكِهِ كَانَ هُوَ مُقِرًّا بِهِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ مُلْزِمٌ فَلِهَذَا يُتِمُّ بِنَفْسِهِ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ، فَأَمَّا إقْرَارُهُ بِنَسَبِ زَوْجَتِهِ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ أَصْلًا لَا أَنْ يَثْبُتَ النِّكَاحُ ثُمَّ يَزُولَ، وَإِنَّمَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِحُرْمَةِ الْمَحَلِّ، فَمُوجِبُ إقْرَارِهِ هُنَا لَا يَظْهَرُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ صِفَةُ الْمَحَلِّ فَلَمْ يَكُنْ إقْرَارُهُ مُتَنَاوِلًا لِمِلْكِهِ ابْتِدَاءً، فَلَا يَكُونُ مُلْزِمًا إلَّا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ بِحُكْمِ الثَّبَاتِ عَلَيْهِ يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ إلَى مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَالثَّانِي أَنَّ الِاشْتِبَاهَ لَا يَقَعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالِابْنِ بَلْ عَبْدُهُ فِي الْغَالِبِ مُبَايِنٌ لِابْنِهِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَجْلِسِ، فَإِذَا كَانَ الِاشْتِبَاهُ يَنْدُرُ فِيهِ لَا يُعْتَبَرُ، فَأَمَّا الِاشْتِبَاهُ قَدْ يَقَعُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ وَابْنَتِهِ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَجْلِسِ فَلِهَذَا يُعْذَرُ إذَا قَالَ: أَوْهَمْتُ.
(قَالَ:) وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ ابْنَتِي وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ وَلَهَا نَسَبٌ مَعْرُوفٌ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: هِيَ أُمِّي وَلَهُ أُمٌّ مَعْرُوفَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُكَذَّبٌ شَرْعًا فِيمَا أَقَرَّ بِهِ وَتَكْذِيبُ الشَّرْعِ إيَّاهُ أَقْوَى مِنْ تَكْذِيبِهِ نَفْسَهُ، وَلَوْ كَذَّبَ نَفْسَهُ، وَقَالَ: أَوْهَمْتُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا فَكَذَا إذَا أَكْذَبَهُ الشَّارِعُ وَبِهِ فَارَقَ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ كَانَ حُرًّا فَكَذَلِكَ إذَا أَكْذَبَهُ الشَّرْعُ بِأَنْ كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَعْنَى مَا قُلْنَا إنَّ إقْرَارَهُ بِنَسَبِ الْعَبْدِ مُصَادِفٌ مِلْكَهُ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ، وَإِنْ امْتَنَعَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ لِكَوْنِهِ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ، فَأَمَّا إقْرَارُهُ بِنَسَبِ امْرَأَتِهِ لَا يُصَادِفُ مِلْكَهُ ابْتِدَاءً، وَإِنَّمَا يُصَادِفُ الْمَحَلَّ فَيَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمَحَلِّ ثُمَّ يَنْبَنِي عَلَيْهِ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute