للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ حَقِّ الرَّجْعَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ الَّذِي أَبْطَلَ حَقَّ نَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ ثُبُوتُ الرَّجْعَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالْمَوْتِ يَتَقَرَّرُ الْمَهْرُ وَالْعِدَّةُ وَلَيْسَ فِيهِ تَصَوُّرُ الرَّجْعَةِ، وَمُطَالَبَتُهَا بِالْوَطْءِ لِيَسْتَعِفَّ بِهِ وَيَحْصُلَ لِنَفْسِهَا صِفَةُ الْإِحْصَانِ بِسَبَبِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالْخَلْوَةِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: حَدُّ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُهُ مِنْ وَطْئِهَا طَبْعًا وَلَا شَرْعًا، حَتَّى إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ أَوْ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ أَوْ مُحْرِمًا أَوْ كَانَتْ هِيَ حَائِضًا لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ طَبْعًا أَوْ شَرْعًا، وَفِي صَوْمِ الْقَضَاءِ رِوَايَتَانِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ تَصِحُّ الْخَلْوَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ بِالْفِطْرِ قَضَاءُ يَوْمٍ وَهُوَ يَسِيرٌ كَمَا فِي صَوْمِ النَّفْلِ.

وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ اعْتِبَارًا لِلْقَضَاءِ بِالْأَدَاءِ، وَفِي صَوْمِ النَّفْلِ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ أَيْضًا أَنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْخَلْوَةِ بِمَنْزِلَةِ حَجِّ النَّفْلِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ لَا يَحْصُلُ التَّسْلِيمُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ حِسًّا، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مَجْبُوبًا أَوْ عِنِّينًا وَقَدْ بَيِّنَاهُ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَالِثٌ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثَّالِثُ مِمَّنْ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ كَصَغِيرٍ لَا يَعْقِلُ أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ خَلَا بِزَوْجَتِهِ وَهُنَاكَ أَمَتُهُ وَكَانَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ هُنَاكَ أَمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَتِهِ دُونَ أَمَتِهَا ثُمَّ رَجَعَ، وَقَالَ لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ غَشَيَانِهَا بَيْنَ يَدَيْ أَمَتِهِ طَبْعًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ خَلَا بِزَوْجَتَيْهِ لَمْ تَصِحَّ الْخَلْوَةُ لِمَا قُلْنَا، وَالْمَكَانُ الَّذِي لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِيهِ أَنْ يَأْمَنَا فِيهِ اطِّلَاعَ غَيْرِهِمَا عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنٍ كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلِهَذَا لَا تَصِحُّ الْخَلْوَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ وَالسَّطْحِ الَّذِي لَيْسَ عَلَى جَوَانِبِهِ سُتْرَةٌ، وَبَعْدَ صِحَّةِ الْخَلْوَةِ إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا لَا يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ إنَّمَا تُجْعَلُ كَالِاسْتِيفَاءِ فِيمَا هُوَ مِنْ حُكْمِ الْعَقْدِ، وَالْإِحْصَانُ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ، فَإِنْ أَقَرَّا بِالْجِمَاعِ لَزِمَهُمَا حُكْمُ الْإِحْصَانِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا صُدِّقَ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ صَاحِبِهِ.

وَلَا يُحْصَنُ الْخَصِيُّ إذَا كَانَ لَا يُجَامِعُ، وَكَذَلِكَ الْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ، فَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ حَتَّى ثَبَتَ بِهِ النَّسَبُ مِنْ الزَّوْجِ فَفِي الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ يَكُونَا مُحْصَنَيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِثُبُوتِ النَّسَبِ حُكْمٌ بِالدُّخُولِ، وَفِي الْمَجْبُوبِ ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هِيَ تَصِيرُ مُحْصَنَةً لَمَّا حَكَمْنَا بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْ الزَّوْجِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَصِيرُ هِيَ مُحْصَنَةً؛ لِأَنَّهُ لَا تَصَوُّرَ لِلْجِمَاعِ بِدُونِ الْآلَةِ، وَالْحُكْمُ بِثُبُوتِ النَّسَبِ بِطَرِيقِ الْإِنْزَالِ بِالسَّحْقِ وَلَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>