للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: ٣٤] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] مَعْنَاهُ: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُوصِيكُمْ بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ، اتَّخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا، وَأَنْ لَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ، فَإِذَا فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَإِنَّ لَهُنَّ عَلَيْكُمْ نَفَقَتُهُنَّ، وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ: «خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ»، وَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ لِحَقِّ الزَّوْجِ وَمُفَرِّغَةٌ نَفْسَهَا لَهُ فَتَسْتَوْجِبُ الْكِفَايَةَ عَلَيْهِ فِي مَالٍ، كَالْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ لَمَّا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الْمَسَاكِينِ اسْتَوْجَبَ كِفَايَتَهُ فِي مَالِهِمْ، وَالْقَاضِي لَمَّا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِعَمَلِهِ لِلْمُسْلِمِينَ اسْتَوْجَبَ الْكِفَايَةَ فِي مَالِهِمْ. إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ طَرِيقُ إيصَالِ النَّفَقَةِ إلَيْهَا شَيْئَانِ التَّمْكِينُ أَوْ التَّمْلِيكُ، حَتَّى إذَا كَانَ الرَّجُلُ صَاحِبَ مَائِدَةٍ وَطَعَامٍ كَثِيرٍ، تَتَمَكَّنُ هِيَ مِنْ تَنَاوُلِ مِقْدَارِ كِفَايَتِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ الزَّوْجَ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَخَاصَمَتْهُ فِي النَّفَقَةِ، فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ مَا يَكْفِيهَا بِالْمَعْرُوفِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ. فَإِنَّمَا يُفْرَضُ بِمِقْدَارِ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ. وَيُعْتَبَرُ الْمَعْرُوفُ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ فَوْقَ التَّقْتِيرِ وَدُونَ الْإِسْرَافِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَذَلِكَ فِي الْمَعْرُوفِ، وَكَذَلِكَ يُفْرَضُ لَهَا مِنْ الْكِسْوَةِ مَا يَصْلُحُ لَهَا لِلشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَإِنَّ بَقَاءَ النَّفْسِ بِهِمَا وَكَمَا لَا تَبْقَى النَّفْسُ بِدُونِ الْمَأْكُولِ عَادَةً لَا تَبْقَى بِدُونِ الْمَلْبُوسِ عَادَةً وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْأَمْكِنَةِ فَيُعْتَبَرُ الْمَعْرُوفُ فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ كَانَ لَهَا خَدَمٌ فَرَضَ الْقَاضِي لِخَادِمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُحْتَاجٌ إلَى الْقِيَامِ بِحَوَائِجِهَا وَأَقْرَبُ ذَلِكَ إصْلَاحُ الطَّعَامِ لَهَا وَخَادِمُهَا يَنُوبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، فَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ خَادِمِهَا بِالْمَعْرُوفِ وَلَا تَبْلُغُ نَفَقَةُ خَادِمِهَا نَفَقَتَهَا، حَتَّى قَالُوا يُفْرَضُ لِخَادِمِهَا أَدْنَى مَا يُفْرَضُ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ الْمُعْسِرِ، وَلَا يُفْرَضُ إلَّا لِخَادِمٍ وَاحِدٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُفْرَضُ لِخَادِمَيْنِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَحْتَاجُ إلَيْهِمَا لِيَقُومَ أَحَدُهُمَا بِأُمُورٍ دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَالْآخَرُ يَأْتِيهَا مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ بِمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ. وَهُمَا قَالَا: حَاجَتُهَا تَرْتَفِعُ بِالْخَادِمِ الْوَاحِدِ عَادَةً وَمَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ فَلِلتَّجَمُّلِ وَالزِّينَةِ. وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ لِلْكِفَايَةِ، فَكَمَا لَا يَزِيدُهَا عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ فِي نَفَقَتِهَا، فَكَذَلِكَ فِي نَفَقَةِ خَادِمِهَا، وَلَوْ فَرَضَ لِخَادِمَيْنِ لَفَرَضَ لِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَيُؤَدِّي إلَى مَا لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>