للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَتَنَاهَى، ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ الزَّوْجِ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: ٢٣٦] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] الْآيَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ، وَأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الرِّجَالِ بِحَسَبِ حَالِهِمْ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُهُمَا جَمِيعًا، حَتَّى إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَهَا نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ مُعْسِرَةٌ تَحْتَ زَوْجٍ مُوسِرٍ تَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ دُونَ مَا تَسْتَوْجِبُ إذَا كَانَتْ مُوسِرَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ دُونَ ذَلِكَ يَكْفِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُوسِرَةً وَالزَّوْجُ مُعْسِرًا تَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ فَوْقَ مَا تَسْتَوْجِبُ إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً؛ لِتَحْصُلَ كِفَايَتُهَا بِذَلِكَ.

وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَقُولُ: لَمَّا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ مُعْسِرٍ فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، فَلَا تَسْتَوْجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا بِحَسَبِ حَالِهِ، ثُمَّ لَيْسَ فِي النَّفَقَةِ تَقْدِيرٌ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُقَدَّرُ كُلُّ يَوْمٍ بِمُدَّيْنِ عَلَى الْمُوسِرِ وَبِمُدٍّ وَنِصْفٍ عَلَى وَسَطِ الْحَالِ وَبِمُدٍّ عَلَى الْمُعْسِرِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْكِفَايَةُ وَذَلِكَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ طِبَاعُ النَّاسِ وَأَحْوَالُهُمْ مِنْ الشَّبَابِ وَالْهَرَمِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ أَيْضًا فَفِي التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارِ إضْرَارٍ بِأَحَدِهِمَا، وَاَلَّذِي قَالَ فِي الْكِتَابِ: إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَرَضَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ خَمْسَةً، وَلِخَادِمِهَا عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ أَكْثَرُ فَلَيْسَ هَذَا بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَسْعَارِ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ وَاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ، فَلَا مُعْتَبَرَ بِالتَّقْدِيرِ بِالدَّرَاهِمِ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَاَلَّذِي يَحِقُّ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا يَفْرِضُ لَهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ، وَكَمَا يُفْرَضُ لَهَا مِنْ قَدْرِ الْكِفَايَةِ مِنْ الطَّعَامِ، فَكَذَلِكَ مِنْ الْإِدَامِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُتَنَاوَلُ إلَّا مَأْدُومًا عَادَةً. وَجَاءَ فِي تَأْوِيلِ قَوْله تَعَالَى {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] أَنَّ أَعْلَى مَا يُطْعِمُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ، وَأَوْسَطَ مَا يُطْعِمُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ الْخُبْزُ وَالزَّيْتُ، وَأَدْنَى مَا يُطْعِمُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ الْخُبْزُ وَاللَّبَنُ. وَأَمَّا الدُّهْنُ؛ فَلِأَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ خُصُوصًا فِي دِيَارِ الْحَرِّ فَهُوَ مِنْ أَصْلِ الْحَوَائِجِ كَالْخُبْزِ. (قَالَ:) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ لَمْ تُفْرَضْ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَلَيْهِ وَعَنْ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُفْرَضُ لِخَادِمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَقُومَ بِمَصَالِحِ طَعَامِهَا وَحَوَائِجِهَا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَعْطَاهَا نَفَقَةَ خَادِمٍ، ثُمَّ تَقُومُ هِيَ بِذَلِكَ بِنَفْسِهَا، أَوْ تَتَّخِذُ خَادِمًا فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اسْتِحْقَاقُهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ لَا تَسْتَوْجِبُ نَفَقَةَ الْخَادِمِ كَالْغَازِي إذَا كَانَ رَاجِلًا لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفَارِسِ، وَإِنْ أَظْهَرَ غَنَاءَ الْفَارِسِ فِي الْقِتَالِ

(قَالَ:) وَالْكِسْوَةُ عَلَى الْمُعْسِرِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>