للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَقٍّ. وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ انْتِقَالَهَا إلَى بَيْتِهِ كَانَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالنَّفَقَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا حَبَسَتْ نَفْسَهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَهْرِ، وَإِنْ رَجَعَتْ النَّاشِزَةُ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقِطَ لِنَفَقَتِهَا نُشُوزُهَا وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء: ٣٤]

(قَالَ:) وَلَا نَفَقَةَ لِلصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا عِنْدَنَا. وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ يَجِبُ بِالْعَقْدِ فَالصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ فِيهِ سَوَاءٌ كَالْمَهْرِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِحَاجَتِهَا وَالصَّغِيرَةُ مُحْتَاجَةٌ إلَى ذَلِكَ كَالْكَبِيرَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلصَّغِيرِ كَمَا تَجِبُ لِلْكَبِيرِ، فَكَذَلِكَ بِسَبَبِ النِّكَاحِ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهَا غَيْرُ مُسَلِّمَةٍ نَفْسَهَا إلَى زَوْجِهَا فِي مَنْزِلِهِ فَلَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ كَالنَّاشِزَةِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ جِدًّا لَا تَنْتَقِلُ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ بَلْ تُنْقَلُ إلَيْهِ وَلَا تُنْقَلُ إلَيْهِ لِلْقَرَارِ فِي بَيْتِهِ أَيْضًا فَتَكُونُ كَالْمُكْرَهَةِ إذَا حُمِلَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَلِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ بِاعْتِبَارِ تَفْرِيغِهَا نَفْسَهَا لِمَصَالِحِهِ فَإِذَا كَانَتْ لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ لِمَعْنًى فِيهَا كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْعٍ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ، بِخِلَافِ الْمَمْلُوكَةِ، فَإِنَّ نَفَقَتَهَا لِأَجْلِ الْمِلْكِ فَقَطْ، وَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ بَلَغَتْ مَبْلَغًا يُجَامَعُ مِثْلُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِهَا صَغِيرًا كَانَ زَوْجُهَا، أَوْ كَبِيرًا؛ لِأَنَّهَا مُسَلِّمَةٌ نَفْسَهَا فِي مَنْزِلِهِ مُفَرِّغَةٌ نَفْسَهَا لِحَاجَتِهِ، وَإِنَّمَا الزَّوْجُ هُوَ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ لِمَعْنًى فِيهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِهِ حَقُّهَا فِي النَّفَقَةِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا مَالَ لَهُ لَمْ يُؤْخَذْ الْأَبُ بِنَفَقَةِ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمِنَهَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجِ كَاسْتِحْقَاقِ الْمَهْرِ، فَكَمَا لَا يُؤْخَذُ أَبُوهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ إذَا لَمْ يَضْمَنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لَا يُؤْخَذُ بِالنَّفَقَةِ. (قَالَ:) وَكُلُّ امْرَأَةٍ قُضِيَ لَهَا بِالنَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَهُوَ صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ مُعْسِرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِأَنْ تَسْتَدِينَ، ثُمَّ تَرْجِعَ عَلَيْهِ وَلَا يَحْبِسُهُ الْقَاضِي إذَا عَلِمَ عَجْزَهُ وَعُسْرَتَهُ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ إنَّمَا يَكُونُ فِي حَقِّ مَنْ ظَهَرَ ظُلْمُهُ لِيَكُونَ زَاجِرًا لَهُ عَنْ الظُّلْمِ وَقَدْ ظَهَرَ هُنَا عُذْرُهُ لَا ظُلْمُهُ فَلَا يَحْبِسُهُ وَلَكِنْ يَنْظُرُ لَهَا بِأَنْ يَأْمُرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَانَ كَاسْتِدَانَتِهَا بِأَمْرِ الزَّوْجِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إذَا أَيْسَرَ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْلَمُ مِنْ الزَّوْجِ عُسْرَهُ فَسَأَلَتْ الْمَرْأَةُ حَبْسَهُ بِالنَّفَقَةِ لَمْ يَحْبِسْهُ الْقَاضِي فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ عُقُوبَةٌ لَا يَسْتَوْجِبُهَا إلَّا الظَّالِمُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَيْفُهُ وَظُلْمُهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَلَا يَحْبِسُهُ وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيُخْبِرُهُ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ، فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا حَبَسَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>