للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِظُهُورِ ظُلْمِهِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ إيفَاءِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ خَلَّى سَبِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلنَّظِرَةِ إلَى مَيْسَرَةٍ بِالنَّصِّ وَلَيْسَ بِظَالِمٍ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِيفَاءِ مَعَ الْعَجْزِ.

(قَالَ:) وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا حَبَسَ الرَّجُلَ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فِي نَفَقَةٍ، أَوْ دَيْنٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّرَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ أَدْنَى الْمُدَّةِ فِيهِ شَهْرٌ. وَالْحَاصِلُ أَنْ لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيرٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْحَبْسَ لِلْإِضْجَارِ وَذَلِكَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ أَحْوَالُ النَّاسِ عَادَةً، فَالرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى إذَا وَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ يَضْجَرُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ وَيُظْهِرُ مَالًا إنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ مَا حَبَسَهُ، وَلَمْ يَعْتَبِرْ فِي ذَلِكَ مُدَّةً، فَإِذَا سَأَلَ عَنْهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ؛ لِأَنَّ مَا صَارَ مَعْلُومًا بِخَبَرِ الْعُدُولِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَلَا يَحُولُ بَيْنَ الطَّالِبِ وَبَيْنَ مُلَازَمَتِهِ عِنْدَنَا، وَكَانَ إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ لَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُلَازِمَهُ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّهُ مُنْظَرٌ بِإِنْظَارِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَّلَهُ الْخَصْمُ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَكَمَا لَا يُلَازِمُهُ هُنَاكَ، فَكَذَلِكَ لَا يُلَازِمُهُ هُنَا. وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشْتَرَى مِنْ أَعْرَابِيٍّ بَعِيرًا بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ طَالَبَهُ الْأَعْرَابِيُّ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدَنَا شَيْءٌ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَاغَدْرَاه، فَهَمَّ بِهِ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْيَدُ وَاللِّسَانُ» وَالْمُرَادُ بِاللِّسَانِ: التَّقَاضِي، وَبِالْيَدِ: الْمُلَازَمَةُ، وَلِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمَدْيُونِ مِنْ كَسْبِهِ وَمَالِهِ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ كَانَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ كَسْبٌ كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْ كَسْبِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمُلَازَمَةِ حَتَّى إذَا فَضَلَ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهِ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ. وَلَسْنَا نَعْنِي بِهَذِهِ الْمُلَازَمَةِ أَنْ يُقْعِدَهُ فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ، وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ بَلْ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ السِّجْنِ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدِّيَ النَّفَقَةَ وَالدَّيْنَ، لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ» وَلِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَ صَاحِبِ الْحَقِّ وَبَيْنَ حَقِّهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إيفَائِهِ فَيُجَازَى بِمِثْلِهِ، وَذَلِكَ بِالْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ وَتَصَرُّفِهِ حَتَّى يُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ أَخَذَ الْقَاضِي الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ مِنْ مَالِهِ وَأَدَّى مِنْهَا النَّفَقَةَ وَالدَّيْنَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>