- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَالُهُ فَيَصِيرَ فِيهِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِ» وَالْمَشْهُورُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنِّي قَاسِمٌ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ، فَإِنَّمَا يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَالَهُ كَانَ مِنْ النُّقُودِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ عِنْدَهُمَا لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَبِيعَ الْمَالَ إلَّا بِطَلَبٍ مِنْ الْخَصْمِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ طَلَبٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الْحَقِّ، أَوْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ مَصْلَحَةٍ رَآهَا لِأُسَيْفِعِ جُهَيْنَةَ.
(قَالَ:) وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ نِسْوَةٌ فُرِضَتْ النَّفَقَةُ لَهُنَّ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْكِفَايَةِ عَلَى مَا قُلْنَا، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُنَّ كِتَابِيَّةً، أَوْ أَمَةً قَدْ بَوَّأَهَا مَوْلَاهَا مَعَهُ بَيْتًا فُرِضَ عَلَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مَا يَكْفِيهَا وَلَا تُزَادُ الْحُرَّةُ الْمُسْلِمَةُ عَلَى الْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ مَشْرُوعَةٌ لِلْكِفَايَةِ وَهَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ وَلَا بِاخْتِلَافِ الْحَالِ فِي الرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ فُرِضَ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَعَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْهُ أَمَرَهُنَّ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ فَفِي هَذَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا، فَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: أَوَلَا يَأْمُرُهُنَّ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ النِّكَاحَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ حَضْرَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يَأْمُرُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَمَرَهُنَّ بِالِاسْتِدَانَةِ فَلَمْ يَجِدْنَ ذَلِكَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَلَمْ يُجْبِرْهُ عَلَى طَلَاقِهِنَّ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ إذَا طَلَبْنَ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَالْمَعْرُوفُ فِي الْإِمْسَاكِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ تَعَيَّنَ التَّسْرِيحُ بِالْإِحْسَانِ، وَهُوَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ الْآخَرُ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْوُصُولِ إلَيْهَا بِسَبَبِ الْجَبِّ وَالْعُنَّةِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لِفَوَاتِ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ حَاجَتَهَا إلَى النَّفَقَةِ أَظْهَرُ مِنْ حَاجَتِهَا إلَى قَضَاءِ الشَّهْوَةِ، وَلَكِنْ لَمَّا تَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ لِإِيصَالِهَا إلَى حَقِّهَا مِنْ جِهَةِ عُسْرِهِ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ هُنَا تَعَيَّنَ التَّفْرِيقُ لِإِيصَالِهَا إلَى حَقِّهَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ، وَبِهِ فَارَقَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ الْمُجْتَمِعَةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ التَّفْرِيقَ لَيْسَ بِطَرِيقٍ لِإِيصَالِهَا إلَى ذَلِكَ الْحَقِّ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ.
فَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَقْتِ تَصِلُ إلَيْهَا بَعْدَ التَّفْرِيقِ مِنْ جِهَةِ زَوْجٍ آخَرَ وَقَاسَ بِنَفَقَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى إزَالَةِ الْمِلْكِ بِالْبَيْعِ فَهُنَا كَذَلِكَ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَتَبَا إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ مُرُوا مَنْ قِبَلَكُمْ أَنْ تَبْعَثُوا بِنَفَقَةِ أَهْلِيكُمْ أَوْ بِطَلَاقِهِنَّ. وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَتُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَاجِزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ سُنَّةٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. وَالسُّنَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute