للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذَا أُطْلِقَتْ يُفْهَمُ مِنْهَا سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: ٢٨٠] فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْسِرَ مُنْظَرٌ، وَلَوْ أَجَّلَتْهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ بِالْفُرْقَةِ، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَحَقَّ النَّظِرَةَ شَرْعًا. إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِالنَّصِّ التَّأَخُّرُ، فَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا يَكُونُ إبْطَالًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فَوْقَ الْمَنْصُوصِ، وَفِي حَقِّ الْمَمْلُوكِ يَكُونُ إبْطَالًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمَمْلُوكِ عَلَى مَوْلَاهُ دَيْنٌ فَأَمَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِيَّةِ يَكُونُ تَأْخِيرًا لَا إبْطَالًا، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ عَنْ مَعْرُوفٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ وَهُوَ الِالْتِزَامُ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، وَهُوَ الِالْتِزَامُ فِي الذِّمَّةِ مَعَ أَنَّ التَّسْرِيحَ طَلَاقٌ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُسْتَحَقُّ هُنَا هُوَ الْفَسْخُ بِسَبَبِ الْعَيْبِ حَتَّى إذَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، وَبِهِ نُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَعَ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا عَاجِزِينَ عَنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ.

فَإِنَّ نَفَقَةَ عِيَالِ مَنْ هُوَ مِنْ الْجُنْدِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَالْإِمَامُ هُوَ الَّذِي يُوصِلُ ذَلِكَ إلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُمَا خَافَا عَلَيْهِنَّ الْفِتْنَةَ لِطُولِ غَيْبَةِ أَزْوَاجِهِنَّ فَأَمَرَاهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إلَيْهِنَّ مَا تَطِيبُ بِهِ قُلُوبُهُنَّ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ النَّفَقَةَ مَالٌ فَالْعَجْزُ عَنْهُ لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْفُرْقَةِ كَالْمَهْرِ وَالنَّفَقَاتِ الْمُجْتَمِعَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ دَيْنٌ مُسْتَقِرٌّ، وَنَفَقَةُ الْوَقْتِ لَمْ تَسْتَقِرَّ دَيْنًا بَعْدُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالنِّكَاحِ غَيْرُ الْمَالِ فَكَانَ الْمَالُ زَائِدًا وَالْعَجْزُ عَنْ التَّبَعِ لَا يَكُونُ سَبَبًا لَرَفْعِ الْأَصْلِ وَكَمَا أَنَّ بِالْفُرْقَةِ لَا تَتَوَصَّلُ إلَى مَهْرِهَا الَّذِي عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا تَتَوَصَّلُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ. وَبِهِ فَارَقَ الْجَبَّ وَالْعُنَّةَ؛ فَإِنَّ هُنَاكَ تَحَقُّقُ فَوَاتِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، مَعَ أَنَّ عِنْدَنَا هُنَاكَ لَا يُفْسَخُ الْعَقْدُ وَلَكِنْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ طَلَاقًا لِإِزَالَةِ ظُلْمِ التَّعْلِيقِ عَنْهَا، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هُنَاكَ قَدْ انْسَدَّ عَلَيْهَا بَابُ تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ بِدُونِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا وَهُنَا لَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهَا وُصُولُ النَّفَقَةِ بِدُونِ التَّفْرِيقِ بِأَنْ تَسْتَدِينَ فَتُنْفِقَ. وَالثَّانِي: أَنَّ هُنَاكَ الزَّوْجُ يُمْسِكُهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بِهِ إلَيْهَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَكَانَ ظَالِمًا وَهُنَا يُمْسِكُهَا مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهَا فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَكُونُ ظَالِمًا، وَلِأَنَّ هُنَاكَ فِي تَرْكِ التَّفْرِيقِ إبْطَالُ حَقِّهَا؛ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْجِمَاعِ لَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَلَوْ فَرَّقْنَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ مِلْكِ الزَّوْجِ فَاسْتَوَى الْجَانِبَانِ فِي ضَرَرِ الْإِبْطَالِ وَفِي جَانِبِهَا رُجْحَانٌ لِصِدْقِ حَاجَتِهَا وَهُنَا فِي تَرْكِ التَّفْرِيقِ تَأْخِيرُ حَقِّهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الزَّوْجِ وَفِي التَّفْرِيقِ إبْطَالُ الْمِلْكِ عَلَى الزَّوْجِ وَضَرَرُ التَّأْخِيرِ دُونَ ضَرَرِ الْإِبْطَالِ، وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَبْدِ فَالضَّرَرُ هُنَاكَ ضَرَرُ الْإِبْطَالِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ هُنَاكَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا لِلْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ، ثُمَّ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>