عَامًّا، فَكَذَا هُنَا وَلَوْ ضَمِنَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ كَانَ جَائِزًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَلَكِنَّ إضَافَةَ الْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ صَحِيحٌ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الزَّوْجَ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِالنَّفَقَةِ أَمْ لَا فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِدَيْنٍ آخَرَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ إنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ وَلَا يَتْرُكَ لِي نَفَقَةً أَمَرَهُ الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ، أَوْ يُعْطِيَهَا كَفِيلًا بِنَفَقَةِ شَهْرٍ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا طَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ لَهَا فَيُجِيبَهَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَالَ حَالُ النَّظَرِ.
(قَالَ:) وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةً مَعْلُومَةً كُلَّ شَهْرٍ فَمَضَتْ أَشْهُرٌ لَمْ يُعْطِهَا حَتَّى مَاتَ أَوْ مَاتَتْ لَمْ يُؤْخَذْ بِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تُسْتَحَقُّ اسْتِحْقَاقَ الصِّلَاتِ لَا اسْتِحْقَاقَ الْمُعَاوَضَاتِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ، وَالصِّلَاتُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَشَبَّهَهُ فِي الْكِتَابِ بِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ إذَا مَاتَ لَمْ تُسْتَوْفَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِهَذَا وَلِأَنَّ السَّبَبَ قِيَامُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا وَتَفْرِيغُهَا نَفْسَهَا لِمَصَالِحِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، فَيَسْقُطُ حَقُّهَا كَمَا إذَا زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ رَدِّ الْمُشْتَرَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُرَدَّ بَعْدَ ذَلِكَ.
(قَالَ:) وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ اسْتَعْجَلَتْ النَّفَقَةَ لِمُدَّةٍ، ثُمَّ مَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ تَرِكَتِهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ لِمَا قُلْنَا إنَّهَا صِلَةٌ وَحَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فِي الصِّلَاتِ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَتْرُكُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةَ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ مَوْتِهَا وَيَسْتَرِدُّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ لِمَقْصُودٍ لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ لَهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْهَا كَمَا لَوْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةً لِيَتَزَوَّجَهَا فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: إنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْمُدَّةِ شَهْرًا، أَوْ دُونَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ فِي تَرِكَتِهَا، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ تَرَكَ لَهَا مِقْدَارَ نَفَقَةِ شَهْرٍ اسْتِحْسَانًا وَيَسْتَرِدُّ مِنْ تَرِكَتِهَا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْطِيهَا النَّفَقَةَ شَهْرًا فَشَهْرًا عَادَةً فَفِي مِقْدَارِ نَفَقَةِ شَهْرٍ هِيَ مُسْتَوْفِيَةٌ حَقَّهَا وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مُسْتَعْجِلَةٌ (قَالَ:) وَلَوْ كَانَا حَيَّيْنِ فَاخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ قَضَاءِ الْقَاضِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْكَارِهِ سَبْقَ التَّارِيخِ فِي الْقَضَاءِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ لِإِثْبَاتِهَا ذَلِكَ.
(قَالَ:) وَإِذَا بَعَثَ إلَيْهَا بِثَوْبٍ فَقَالَتْ هُوَ هَدِيَّةٌ وَقَالَ الزَّوْجُ هُوَ مِنْ الْكِسْوَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُمَلِّكُ لِلثَّوْبِ مِنْهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي بَيَانِ جِهَتِهِ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَعَثَ بِهِ هَدِيَّةً، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ فَرَاغَ ذِمَّتِهِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute