وَالْأَبُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ قَاصِدٌ إلَى الْإِضْرَارِ وَالتَّعَنُّتِ حِينَ رَضِيَ بِدَفْعِ مِقْدَارٍ إلَى الظِّئْرِ وَلَا رَضِيَ بِدَفْعِ مِثْلِ ذَلِكَ إلَى الْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقَعَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ فَلَا أَجْرَ لَهَا عَلَى الرَّضَاعِ، وَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَرْضِعَ لَمْ تُكْرَهْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ تَسْلِيمُ النَّفْسِ إلَى الزَّوْجِ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَعْمَالِ تُؤْمَرُ بِهِ تَدَيُّنًا وَلَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ نَحْوِ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فَكَذَلِكَ إرْضَاعُ الْوَلَدِ
(قَالَ:) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّبِيِّ أَبٌ وَكَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ فَالرَّضَاعُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا إنْ كَانَا مُوسِرِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] فَقَدْ اُعْتُبِرَ صِفَةُ الْوِرَاثَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَبِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ثَبَتَ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ لَا تَخْتَلِفُ عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ هَذَا إلَّا سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ الْجَوَابُ هَكَذَا، وَكَذَلِكَ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ فَأَمَّا الرَّضَاعُ فَإِنَّهُ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُوسِرَةٌ بِاللَّبَنِ وَالْعَمُّ مُعْسِرٌ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ: قُدْرَةُ الْعَمِّ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ بِمَالِهِ يَجْعَلُهُ مُوسِرًا فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِمَا إثْلَاثًا وَالْأُمُّ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا حَتَّى يَبْلُغَ مَا وَصَفْنَا، فَإِنْ كَانَ الْعَمُّ فَقِيرًا وَالْأُمُّ غَنِيَّةً فَالرَّضَاعُ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْعَمِّ مُسْتَحَقَّةٌ فِي مَالِهِ لَا فِي كَسْبِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُعْسِرُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ هُوَ كَالْمَعْدُومِ فَكَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْأُمِّ
فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٌّ وَعَمٌّ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ فَالرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِثٍ مَعَ الْأَخِ وَالْغُرْمُ مُقَابَلٌ بِالْغُنْمِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ عَلَى مَنْ يَكُونُ الْغُنْمُ لَهُ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ بَعْدَ الْأَبِ النَّفَقَةُ عَلَى كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ عَلَى حَسَبِ الْمِيرَاثِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فَقِيرًا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى النَّفَقَةِ فَإِنْ تَطَوَّعَ بِشَيْءٍ فَهُوَ أَفْضَلُ
فَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ فَقِيرَةً وَلِلْوَلَدِ عَمَّةٌ وَخَالَةٌ غَنِيَّتَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا عَلَى الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْخَالَةِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ الْفَقِيرَةَ كَالْمَعْدُومَةِ وَبَعْدَهَا الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنُ عَمٍّ هُوَ وَارِثُهُ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَيْسَ بِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ بَلْ يُجْعَلُ هُوَ فِي حَقِّ النَّفَقَةِ كَالْمَعْدُومِ وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute