لَا تَسْقُطُ بِتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ وَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا بَلْ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَيَسْتَوْجِبُ الْحَبْسَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا إنَّ مَنْ جَارَ فِي الْقَسْمِ يَوْجَعُ عُقُوبَةً وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إيفَاءِ حَقٍّ آخَرَ لَا يُحْبَسُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ لَا يَسْقُطُ بِتَأْخِيرِ الْأَدَاءِ وَمَا جَارَ فِيهِ مِنْ الزَّمَانِ لَا يَصِيرُ دِينًا فَيَوْجَعُ عُقُوبَةً لِيَمْتَنِعَ مِنْ الْجَوْرِ.
(قَالَ:) وَمَنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ، أَوْ خَادِمٌ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ فَعَلَى الْمُوسِرِ مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ نَفَقَتُهُ وَقَالَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ بَعْدَ مَا رَوَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ غَيْرُهُ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَلَكِنْ يُقَالُ لَهُ بِعْ مَسْكَنَك وَخَادِمَك وَأَنْفِقْ عَلَى نَفْسِك؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِمَنْزِلٍ يُكْرَى فَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَنْزِلُ وَالْخَادِمُ مِنْ أُصُولِ حَوَائِجِهِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْعَدِمُ بِمِلْكِهَا حَاجَتُهُ.
(قَالَ:) وَلَا يُقْضَى بِالنَّفَقَةِ فِي مَالِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا إذَا كَانَ رَبُّ الْمَالِ غَائِبًا، أَوْ مَفْقُودًا مَا خَلَا الْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجَةَ فَإِنِّي أَقْضِي لَهُمْ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَلَا يَتَقَوَّى، إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُوجِدَ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ فَأَمَّا مَا كَانَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَهُوَ ثَابِتٌ بِنَفْسِهِ وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمُدَّ يَدَهُ فَيَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا وَالسَّبَبُ مَعْلُومًا لِلْقَاضِي، أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِنْدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» وَهُوَ كَانَ غَائِبًا وَقَالَ فِي كِتَابِ الْمَفْقُودِ وَإِنْ اسْتَوْثَقَ مِنْهُ بِكَفِيلٍ فَحَسَنٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ النَّفَقَةَ، أَوْ بَعَثَ الْغَائِبُ بِنَفَقَتِهِ فَيَقْصِدُ الْأَخْذَ ثَانِيًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لِكُلِّ مَنْ عَجَزَ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ الْغَائِبُ عَاجِزًا عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ نَظَرَ الْقَاضِي لَهُ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُمْ كَفِيلًا فَهُوَ مُسْتَقِيمٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا خَصْمٌ يَطْلُبُ مِنْ الْقَاضِي أَخْذَ الْكَفِيلِ وَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْقَاضِي عِنْدَ طَلَبِ الْخَصْمِ.
(قَالَ:) فَإِنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مَالٌ فَأَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَجَزْتُهُ وَلَمْ أُضَمِّنْهُ؛ لِأَنَّهُ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَاهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي حَتَّى أَنْفَقُوا كَانَ ضَامِنًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ. وَدَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ لِيُنْفِقَ لَيْسَ مِنْ الْحِفْظِ فَيَصِيرُ بِهِ مُخَالِفًا ضَامِنًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ أَرَادَ الْمُودَعُ أَنْ يَقْضِيَ الْوَدِيعَةِ دَيْنَ الْمُودِعِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَيَصِيرُ ضَامِنًا إنْ فَعَلَهُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ إذَا ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ.
(قَالَ:)، وَإِنْ بَاعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَتَاعَ الْغَائِبِ لِلنَّفَقَةِ أَبْطَلْتُ بَيْعَهُ مَا خَلَا الْأَبَ الْمُحْتَاجَ فَإِنِّي أُجِيزُ بَيْعَهُ عَلَى وَلَدِهِ الْغَائِبِ فِيمَا سِوَى الْعَقَارِ اسْتِحْسَانًا لِمَا يُنْفِقُهُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute