نَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْعَقَارِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ صَغِيرًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْمَفْقُودِ. (قَالَ)، وَكَذَلِكَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْمَفْقُودِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ أَيْضًا عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ فِي الْعَقَارِ، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ غَيْرِهِ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَا؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَبِ قَدْ زَالَتْ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ عَنْ عَقْلٍ فَيَكُونُ هُوَ فِي بَيْعِ أَمْوَالِهِ كَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَكُونُ أَوْجَبَ مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ وَلَدِهِ فِي دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي بِذَلِكَ أَيْضًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، فَكَذَلِكَ فِي النَّفَقَةِ وَاسْتِحْقَاقِ الْأُمِّ النَّفَقَةَ كَاسْتِحْقَاقِ الْأَبِ، ثُمَّ الْأُمُّ لَا تَبِيعُ عُرُوضَ الْوَلَدِ فِي نَفَقَتِهَا فَكَذَلِكَ الْأَبُ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ: وِلَايَةُ الْأَبِ، وَإِنْ زَالَتْ بِالْبُلُوغِ وَلَكِنْ بَقِيَ أَثَرُهَا وَلِهَذَا صَحَّ مِنْهُ الِاسْتِيلَادُ فِي جَارِيَةِ الِابْنِ فَلِبَقَاءِ أَثَرِ وِلَايَتِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْعُرُوضَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ مِنْ الْحِفْظِ، فَإِنَّ الْعُرُوضَ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْهَلَاكِ، وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ، وَوِلَايَةُ الْحِفْظِ تَثْبُتُ لِمَنْ يَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ كَالْوَصِيِّ فِي حَقِّ الْوَارِثِ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَبَيْعُ الْعُرُوضِ، فَكَذَلِكَ لِلْأَبِ ذَلِكَ وَبَعْدَ الْبَيْعِ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِقْدَارَ النَّفَقَةِ، فَأَمَّا بَيْعُ الْعَقَارِ لَيْسَ مِنْ الْحِفْظِ؛ لِأَنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَمْلِكُ ذَلِكَ، إلَّا بِمُطْلَقِ الْوِلَايَةِ وَهُوَ عِنْدَ صِغَرِ الْوَلَدِ أَوْ جُنُونِهِ وَإِذَا بَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ مِنْ الثَّمَنِ نَفَقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَبِخِلَافِ الْأُمِّ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ لِيَبْقَى أَثَرُ تِلْكَ الْوِلَايَةِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ حِفْظِ الْمَالِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ بَيْعُ الْعُرُوضِ.
(قَالَ:) وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى نَفَقَةِ الْكُفَّارِ مِنْ قَرَابَتِهِ وَلَا الْكُفَّارُ عَلَى نَفَقَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَرَابَتِهِمْ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاسْتِحْقَاقَ بِعِلَّةِ وِلَايَةِ الْوِرَاثَةِ شَرْعًا وَبِسَبَبِ اخْتِلَافِ الدِّينِ يَنْعَدِمُ التَّوَارُثُ، إلَّا الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ وَالزَّوْجَةَ، أَمَّا اسْتِحْقَاقُ الزَّوْجَةِ لِلنَّفَقَةِ بِسَبَبِ الْعَقْدِ وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ، أَمَّا فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِطَرِيقِ الصِّلَةِ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الذِّمِّيَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] وَلَيْسَ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ يَتَقَلَّبَ فِي نِعَمِ اللَّهِ وَيَدَعَهُمَا يَمُوتَانِ جُوعًا وَالنَّوَافِلُ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْأَبَوَيْنِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِاعْتِبَارِ الْوِلَادِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِحْقَاقِ الْأَبَوَيْنِ.
(قَالَ:) وَإِذَا مَاتَ الْأَبُ وَلِلْوَلَدِ الصَّغِيرِ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبُ الْأَبِ فَنَفَقَتُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute