زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ وَلَكِنَّا نَقُولُ التَّفْرِيطُ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إذَا كَانَ الْمَاءُ قَرِيبًا مِنْهُ وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ إذَا كَانَ لَا يَبْلُغُهُ صَوْتُهُمْ فَبَعِيدٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ.
قَالَ (وَإِذَا كَانَ مَعَ رَفِيقِهِ مَاءٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَهُ) إلَّا عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ السُّؤَالُ ذُلٌّ وَفِيهِ بَعْضُ الْحَرَجِ وَمَا شُرِعَ التَّيَمُّمُ إلَّا لِدَفْعِ الْحَرَجِ وَلَكِنَّا نَقُولُ مَاءُ الطَّهَارَةِ مَبْذُولٌ بَيْنَ النَّاسِ عَادَةً وَلَيْسَ فِي سُؤَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَذَلَّةٌ «فَقَدْ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْضَ حَوَائِجِهِ مِنْ غَيْرِهِ» فَإِنْ سَأَلَهُ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِالثَّمَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ثَمَنُهُ يَتَيَمَّمُ لِعَجْزِهِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَمَنُهُ فَإِنْ أَعْطَاهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ، وَأَنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْسَرُ عَلَى هَذِهِ التِّجَارَةِ وَلَا نَأْخُذُ بِهَذَا فَإِنَّ حُرْمَةَ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ يَلْحَقُهُ خُسْرَانٌ فِي مَالِهِ فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمِ، وَالْغَبْنُ الْفَاحِشُ خُسْرَانٌ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي النَّوَادِرِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَكْفِي لِلْوُضُوءِ يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِدِرْهَمٍ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ إلَّا بِدِرْهَمَيْنِ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَشْتَرِ فَجَعَلَ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ فِي تَضْعِيفِ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إذَا كَانَ يُعْطِيهِ الثَّمَنَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ عَلَى بَدَلِ الْمَاءِ كَقُدْرَتِهِ عَلَى عَيْنِهِ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الرَّقَبَةِ كَالْقُدْرَةِ عَلَى عَيْنِهَا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِمْلَاءِ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْمُسَافِرِ لَا يَجِدُ الْمَاءَ أَيَطْلُبُهُ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَعَنْ يَسَارِهِ قَالَ إنْ طَمِعَ فِي ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَلَا يُبْعِدْ فَيَضُرَّ بِأَصْحَابِهِ إنْ انْتَظَرُوهُ أَوْ بِنَفْسِهِ إنْ انْقَطَعَ عَنْهُمْ وَلَا يَطْلُبُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُخْبَرَ بِمَاءٍ فَيَطْلُبُهُ الْغَلْوَةَ وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَبَ إنَّمَا يُؤْمَرُ بِهِ إذَا كَانَ عَلَى رَجَاءٍ مِنْ وُجُودِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى رَجَاءٍ مِنْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي الطَّلَبِ، وَعَدَمُ الْوُجُودِ كَالْوُجُودِ يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ الطَّلَبِ يُقَالُ وَجَدَ فُلَانٌ لُقَطَةً وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَجَدَك عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: ٨]
قَالَ (وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُ فِي رَدْغَةٍ وَطِينٍ لَا يَجِدُ الْمَاءَ وَلَا الصَّعِيدَ نَفَضَ ثَوْبَهُ أَوْ لَبَدَهُ وَتَيَمَّمَ بِغُبَارِهِ) وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّيَمُّمِ بِالطِّينِ وَإِنْ كَانَ لَوْ فَعَلَ أَجْزَأَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ فِيهِ تَلْوِيثُ الْوَجْهِ وَهُوَ مُثْلَةٌ وَلَكِنَّهُ يَنْفُضُ لَبَدَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute