للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ عَلَى غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ رَغْبَتَهُ فِيهَا كَانَتْ بِالنِّكَاحِ فَلَا يَقِلُّ ذَلِكَ بِحَيْضِهَا مَا لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ مِنْهَا فَكَانَ الْإِيقَاعُ دَلِيلَ عَدَمِ مُوَافَقَةِ الْأَخْلَاقِ بِخِلَافِ الْمَدْخُولِ بِهَا فَإِنَّ مَقْصُودَهُ بِالنِّكَاحِ قَدْ حَصَلَ مِنْهَا وَإِنَّمَا رَغْبَتُهُ فِيهَا فِي الطُّهْرِ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَمَكُّنِهِ فِيهِ مِنْ غَشَيَانِهَا وَيَنْعَدِمُ ذَلِكَ بِالْحَيْضِ؛ تَوْضِيحُهُ أَنَّ إبَاحَةَ الْإِيقَاعِ بِشَرْطِ أَنْ يَأْمَنَ النَّدَمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: ١]، وَفِي الْإِيقَاعِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا لَا يَأْمَنُ النَّدَمَ إذَا جَاءَ زَمَانُ الطُّهْرِ وَالرَّغْبَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ فِي الْإِيقَاعِ فِي طُهْرٍ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ لَا يَأْمَنُ النَّدَمَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَظْهَرُ بِهَا حَبَلٌ فَتَحْمِلُهُ شَفَقَتُهُ عَلَى الْوَلَدِ عَلَى تَحَمُّلِ سُوءِ خُلُقِهَا وَإِلَى نَحْوِهِ أَشَارَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ لَعَلَّ شَفَقَةَ الْوَلَدِ تُنْدِمُهُ؛ فَلِهَذَا كُرِهَ الْإِيقَاعُ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ.

وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَأْخِيرَ الْإِيقَاعِ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَظَاهِرُ مَا يَقُولُ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْإِيقَاعَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا وَمِنْ قَصْدِهِ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ؛ فَلِهَذَا طَلَّقَهَا حِينَ تَطْهُرُ مِنْ حَيْضِهَا فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى وَاحْتَسَبَ بِهَذِهِ الْحَيْضَةِ مِنْ عِدَّتِهَا فَإِذَا حَاضَتْ الثَّالِثَةَ وَطَهُرَتْ طَلَّقَهَا أُخْرَى وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلٌ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ آخِرِ التَّطْلِيقَاتِ إذَا تَكَرَّرَ الْإِيقَاعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ بَعْدَ الدُّخُولِ مُوجِبٌ لِلْعِدَّةِ كَالْحَدَثِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ فَكَمَا أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ فَكَذَلِكَ إذَا تَكَرَّرَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْعِدَّةِ الدُّخُولُ وَإِنَّمَا تَصِيرُ شَارِعَةً فِي الْعِدَّةِ حِينَ يَصِيرُ الزَّوْجُ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهَا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ تُقَرِّرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَا تُبْطِلُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا لِأَنَّ بِالرَّجْعَةِ يَنْعَدِمُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُرِيدًا لَهَا.

تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَبَيُّنُ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَذَلِكَ لَا يَتَغَيَّرُ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ التَّكَرُّرِ؛ فَلِهَذَا كَانَتْ عِدَّتُهَا مِنْ التَّطْلِيقَةِ الْأُولَى وَعَلَى هَذَا اتَّفَقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِي اللَّه عَنْهُمْ. .

(قَالَ) وَلَا تَحِلُّ لَهُ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا وَقَعَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ يَدْخُلُ بِهَا وَالطَّلَاقُ مَحْصُورٌ بِعَدَدِ الثَّلَاثِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ بَيَانَ التَّطْلِيقَتَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>