للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي الثَّالِثَةِ فَقِيلَ هِيَ فِي قَوْلِهِ {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَهَكَذَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا رَزِينٍ الْعُقَيْلِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ عَرَفْنَا التَّطْلِيقَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ فَأَيْنَ الثَّالِثَةُ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩]» وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّ بَيَانَ الثَّالِثَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] لِأَنَّهُ عِنْدَ ذِكْرِهَا ذَكَرَ مَا هُوَ حُكْمُ الثَّالِثَةِ، وَهُوَ حُرْمَةُ الْمَحِلِّ إلَى غَايَةٍ وَمَعْنَاهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ شَرْطُ الْحِلِّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ بَعْدَ وُقُوعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الدُّخُولَ بِهَا شَرْطٌ أَيْضًا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ فِي الْقُرْآنِ شَرْطُ الْعَقْدِ فَقَطْ وَلَا زِيَادَةَ بِالرَّأْيِ وَلَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَلَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فَإِنَّ شَرْطَ الدُّخُولِ ثَابِتٌ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ لَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِهِ وَيَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِهَا» وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَأَبَتَّ طَلَاقَهَا فَتَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ مَا وَجَدْت مَعَهُ إلَّا مِثْلَ هَذِهِ وَأَشَارَتْ إلَى هُدْبَةِ ثَوْبِهَا فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ ضَبَطَ نَفْسَهُ فَقَالَ أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إلَى رِفَاعَةَ فَقَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ لَا حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِك وَتَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أَنَّ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْعُمَيْصَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ فَلَمَّا خَلَا بِهَا جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَشْكُو ضَعْفَ حَالِهِ فِي بَابِ النِّسَاءِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ أَصَابَك فَقَالَتْ لَا فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه لَا تَحِلِّينَ لِعَمْرٍو حَتَّى تَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ وَيَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِك».

وَقَبْلُ فِي الْقُرْآنِ ذَكَرَ الدُّخُولَ إشَارَةً فَإِنَّهُ أَضَافَ فِعْلَ النِّكَاحِ إلَى الزَّوْجِ وَإِلَيْهَا فَيَقْتَضِي ذَلِكَ فِعْلُ النِّكَاحِ بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ وَذَلِكَ الْوَطْءُ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُ الْأَزْوَاجِ مِنْ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الطَّلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالدُّخُولِ فَفِيهِ مُغَايَظَةَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَدُخُولُ الثَّانِي بِهَا بِالنِّكَاحِ مُبَاحٌ مُبْغَضٌ عِنْدَ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنْ الطَّلَاقِ مُبْغَضٌ شَرْعًا لِيَكُونَ الْجَزَاءُ بِحَسَبِ الْعَمَلِ.

(قَالَ) فَإِنْ تَزَوَّجَ بِهَا الثَّانِي عَلَى قَصْدِ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ صَحَّ النِّكَاحُ وَيَثْبُتُ الْحِلُّ لِلْأَوَّلِ إذَا دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَفَارَقَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>