الْمِلْكِ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً مَعَ أَنَّ الْمُكَاتَبَةَ صَارَتْ أَحَقَّ بِنَفْسِهَا بِمَا الْتَزَمَتْ مِنْ الْعِوَضِ وَهُنَا الزَّوْجُ أَحَقُّ بِهَا وَوِزَانُ هَذَا مِنْ الْمُكَاتَبَةِ أَنْ لَوْ طَلَّقَهَا بِعِوَضٍ.
وَكَوْنُ الطَّلَاقِ وَاقِعًا لَا يَكُونُ دَلِيلَ حُرْمَةِ الْوَطْءِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَبْقَى وَاقِعًا وَالْوَطْءُ حَلَالٌ وَهَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْإِزَالَةَ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ وَالْمُسْقِطُ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا لَا يُتَصَوَّرُ إعَادَتُهُ وَالِاحْتِسَابُ بِالْأَقْرَاءِ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ صَارَ غَيْرَ مُرِيدٍ لَهَا بِالطَّلَاقِ وَكَمَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ بَيْعَهَا يَسْتَبْرِئُهَا مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَالْحِلِّ وَاسْتِنَادِ الْعُلُوقِ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ إثْبَاتِ الرَّجْعَةِ بِالشَّكِّ فَإِنَّا لَوْ أَسْنَدْنَا الْعُلُوقَ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَجَعَلْنَاهُ مُرَاجِعًا لَهَا بِالشَّكِّ، وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ جِمَاعَهُ إيَّاهَا فِي الْعِدَّةِ رَجْعَةٌ مِنْهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَكُونُ رَجْعَةً وَاعْتُبِرَ الرَّجْعَةُ بِأَصْلِ النِّكَاحِ فَكَمَا لَا يَثْبُتُ أَصْلُ النِّكَاحِ بِالْفِعْلِ فَكَذَلِكَ لَا تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ عِنْدَهُ الرَّجْعَةَ سَبَبٌ لِاسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ وَرَفْعِ الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي الْمِلْكِ فَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَوْلِ.
وَالْجِمَاعُ قَبْلَ الرَّجْعَةِ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحِلِّ وَعِنْدَنَا الرَّجْعَةُ اسْتِدَامَةٌ لِلْمِلْكِ وَالْفِعْلُ الْمُخْتَصُّ بِهِ يَكُونُ أَدَلَّ عَلَى اسْتِدَامَةِ الْمِلْكِ مِنْ الْقَوْلِ، وَهُوَ نَظِيرُ الْفَيْءِ فِي الْإِيلَاءِ فَإِنَّهُ مَنْعٌ لِلْمُزِيلِ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْجِمَاعِ وَنَقُولُ أَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ أَنَّ الطَّلَاقَ مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ وَلَكِنَّ الْمُزِيلَ مَتَى ظَهَرَ وَأَعْقَبَ خِيَارَ الِاسْتِبْقَاءِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ يَكُونُ مُسْتَبْقِيًا لِلْمِلْكِ بِالْوَطْءِ كَمَنْ بَاعَ أَمَتَهُ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ وَطِئَهَا صَارَ بِالْوَطْءِ مُسْتَبْقِيًا لِلْمِلْكِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ هُنَاكَ يُحْتَاجُ إلَى فَسْخِ السَّبَبِ الْمُزِيلِ وَهُنَا لَا يُحْتَاجُ إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ الْمُوجِبِ لِلْحِلِّ كَالْوَطْءِ فَتَكُونُ مُبَاشَرَتُهُ دَلِيلَ اسْتِبْقَاءِ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى فِي ثُبُوتِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ جُعِلَتْ هَذِهِ الْأَفْعَالُ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ وَالْأَحْسَنُ لَهُ أَنْ يُشْهِدَ شَاهِدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ هَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ سُئِلَ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُعْلِمْهَا حَتَّى غَشِيَهَا فَقَالَ طَلَّقَهَا لِغَيْرِ السُّنَّةِ وَرَاجَعَهَا عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَلْيُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ.
(قَالَ) وَلَا يَكُونُ النَّظَرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهَا سِوَى الْفَرْجِ رَجْعَةً لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَلِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ فَإِنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ إمَّا لِحُسْنِهِ أَوْ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَلَيْسَ فِي الْفَرْجِ مَعْنَى الْحُسْنِ فَكَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ اسْتِمْتَاعًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالنَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَا يَكُون رَجْعَةً لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِالْمِلْكِ فَإِنَّ الْقَابِلَةَ تَنْظُرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute