بِسُقُوطِ الرَّجْعَةِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالِاحْتِيَاطِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ اغْتَسَلَتْ وَبَقِيَ عَلَى بَدَنِهَا لَمْعَةٌ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ عَنْهَا احْتِيَاطًا وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَلَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَمْ يَحِلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فَهُنَا أَوْلَى أَنْ تَنْقَطِعَ الرَّجْعَةُ وَقَدْ حَلَّ لَهَا أَدَاءُ الصَّلَاةِ وَهَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} [المائدة: ٦] فَإِذَا أَتَتْ بِهِ لَمْ تَبْقَ مُخَاطَبَةً بِالتَّطْهِيرِ فَتَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ كَالنَّصْرَانِيَّةِ تَحْتَ مُسْلِمٍ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ بِنَفْسِ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخَاطَبَةٍ بِالتَّطْهِيرِ.
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ فَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ الرَّجْعَةُ كَنَفْسِ الِانْقِطَاعِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ إلَّا بِيَقِينٍ حَتَّى أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ كَانَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ تَلْوِيثٌ وَتَغْيِيرٌ وَهَذَا ضِدُّ التَّطْهِيرِ وَإِنَّمَا جُعِلَ طَهَارَةً حُكْمًا لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَى أَدَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَكَانَ طَهَارَةً فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ، وَفِيمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ فَكَانَ التَّيَمُّمُ فِي حُكْمِ الرَّجْعَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ كَهُوَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ تَوْضِيحُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ مَشْرُوعٌ لِمَقْصُودٍ، وَهُوَ أَدَاءُ الصَّلَاةِ لَا رَفْعُ الْحَدَثِ بِهِ وَلِهَذَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَفِي الْوَقْتِ أَيْضًا يُنْتَظَرُ آخِرَ الْوَقْتِ وَمَا كَانَ مَشْرُوعًا لِمَقْصُودٍ فَقَبْلَ انْضِمَامِ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ إلَيْهِ كَانَ ضَعِيفًا فَلَا يَزُولُ بِهِ الْمِلْكُ كَشَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الطَّلَاقِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ قَضَاءُ الْقَاضِي بِهِ فَمَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ الْقَضَاءُ لَا يَكُونُ مُزِيلًا لِلْمِلْكِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ عَلَى بَدَنِهَا لَمْعَةٌ لِأَنَّ قَطْعَ الرَّجْعَةِ هُنَاكَ لِتَوَهُّمِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَسُرْعَةِ الْجَفَافِ فَكَانَتْ طَهَارَةً قَوِيَّةً فِي نَفْسِهَا وَالِاغْتِسَالُ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا طَهَارَةٌ قَوِيَّةٌ لِكَوْنِهَا اغْتِسَالًا بِالْمَاءِ وَلَكِنَّهَا تُؤْمَرُ بِضَمِّ التَّيَمُّمِ إلَى ذَلِكَ فِي حُكْمِ حِلِّ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا لِاشْتِبَاهِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَقَدْ كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةَ وَلِهَذَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِهِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ آخَرَ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ أَيْضًا لِكَوْنِهَا طَهَارَةً قَوِيَّةً، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الطَّهَارَةَ قَوِيَّةٌ جَاءَ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاطِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ حَتَّى تَغْتَسِلَ بِمَاءٍ آخَرَ أَوْ تَتَيَمَّمَ وَتُصَلِّيَ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَةِ ذَلِكَ الْمَاءِ احْتِيَاطًا وَهَذَا بِخِلَافِ النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهَا اغْتِسَالٌ أَصْلًا فَكَانَ نَفْسُ الِانْقِطَاعِ كَطَهَارَةٍ قَوِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا وَهُنَا الِاغْتِسَالُ وَاجِبٌ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا تَعَذَّرَ وَلَمْ يَذْكَرْ فِي الْكِتَابِ مَا إذَا تَيَمَّمَتْ وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute