وَاحِدٍ لَا يُتَصَوَّرُ.
وَلَوْ جَازَ الْقَوْلُ بِالتَّدَاخُلِ فِي الْعِدَّةِ لَكَانَ الْأَوْلَى أَقْرَاءَ عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِقُرْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعِدَّةَ مُجَرَّدُ أَجَلٍ وَالْآجَالُ تَنْقَضِي بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ كَآجَالِ الدُّيُونِ وَبَيَانُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّى الْعِدَّةَ أَجَلًا فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَسَمَّاهُ تَرَبُّصًا وَالتَّرَبُّصُ هُوَ الِانْتِظَارُ وَالِانْتِظَارُ يَكُونُ سَبَبَ الْأَجَلِ كَالِانْتِظَارِ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ إلَى انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَقْصُودِ فِي الْأَجَلِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرِيمَيْنِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُنَا مَقْصُودُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْعِدَّةِ يَحْصُلُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَهُوَ الْعِلْمُ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَائِهِ ثُمَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي الْعِدَّةِ تَبَعٌ لَا مَقْصُودٌ وَإِنَّمَا رُكْنُ الْعِدَّةِ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ وَالتَّزَوُّجِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ رُكْنَ الْعِدَّةِ بِعِبَارَةِ النَّهْيِ فَقَالَ تَعَالَى وَلَا يَخْرُجْنَ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٥] وَمُوجَبُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَالْحُرُمَاتُ تَجْتَمِعُ فَإِنَّ الصَّيْدَ حَرَامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي الْحَرَمِ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ وَالْخَمْرُ حَرَامٌ عَلَى الصَّائِمِ لِصَوْمِهِ وَلِكَوْنِهِ خَمْرًا وَلِيَمِينِهِ إذَا حَلَفَ لَا يَشْرَبُهَا بِخِلَافِ رُكْنِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ بِعِبَارَةِ الْأَمْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] فَعَرَفْنَا أَنَّ الرُّكْنَ فِيهِ الْفِعْلُ ثُمَّ عِدَّتُهَا تَنْقَضِي وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ وَتَنْقَضِي وَإِنْ لَمْ تَكْفِ نَفْسَهَا عَنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَدَاءُ الْعِبَادَةِ بِدُونِ رُكْنِهَا وَلِأَنَّ بِوَطْءِ الثَّانِي قَدْ لَزِمَهَا الْعِدَّةُ وَالشُّرُوعُ فِي الْعِدَّةِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ حَالٍ تَقَرَّرَ عَنْ سَبَبِ الْوُجُوبِ.
وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ امْتَنَعَ شُرُوعُهَا فِيهِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ الْأُولَى وَالْعِدَّةُ الْأُولَى أَثَرُ النِّكَاحِ وَأَصْلُ النِّكَاحِ لَا يَمْنَعُ شُرُوعَهَا فِي الْعِدَّةِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُ وُجُوبِهَا كَالْمَنْكُوحَةِ إذَا وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ فَأَثَرُهَا أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ لِتَبَيُّنِ فَرَاغِ الرَّحِمِ وَبِمُضِيِّ الْعِدَّةِ الْأُولَى يُتَيَقَّنُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ شُرُوعُهَا فِي الْعِدَّةِ مَوْقُوفًا عَلَى التَّيَقُّنِ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنَّ الشُّهُورَ فِي الْأَجَلِ الْوَاحِدِ لَا تَتَدَاخَلُ وَالْجَلَدَاتُ فِي الْحَدِّ الْوَاحِدِ لَا تَتَدَاخَلُ وَيَتَدَاخَلُ الْحَدَّانِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لِتَعْرِيفِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَالثَّانِيَةَ لِحُرْمَةِ النِّكَاحِ وَالثَّالِثَةَ لِفَضِيلَةِ الْحُرِّيَّةِ فَإِذَا قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ فِي أَقْرَاءِ عِدَّةٍ وَاحِدَةٍ يَفُوتُ هَذَا الْمَقْصُودُ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْهُمَا أَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْ الْأَوَّلِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهَا كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْعِدَّتَيْنِ وَهِيَ حَامِلٌ وَعِدَّةُ الْحَامِلِ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَإِنْ حَبِلَتْ مِنْ الثَّانِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِسُقُوطِ الْأَقْرَاءِ إذَا حَبِلَتْ وَالْعِدَّةُ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute