للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا سَبَقَ الطَّلَاقُ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا مِنْ الْعِدَّةِ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ الِاحْتِسَابُ بِمَا بَقِيَ وَلَوْ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ وَجَبَ إكْمَالُهَا بِالْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَوَامِلَ فَإِذَا وَجَبَ جُزْءٌ مِنْ الْحَيْضَةِ الرَّابِعَةِ وَجَبَ كُلُّهَا.

(قَالَ) وَلَوْ اعْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ بِحَيْضَتَيْنِ ثُمَّ أَيِسَتْ فَعَلَيْهَا اسْتِئْنَافُ الْعِدَّةِ بِالشُّهُورِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا، وَفِيهِ إشْكَالٌ فَإِنَّ بِنَاءَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَصْلِ يَجُوزُ كَالْمُصَلِّي إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَتَيَمَّمُ وَيَبْنِي، وَإِذَا عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُومِئُ وَيَبْنِي وَلَكِنَّا نَقُولُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ إنَّمَا الْبَدَلِيَّةُ فِي الطَّهَارَةِ وَلَا تَكْمُلُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى قَطُّ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَأَمَّا الْعِدَّةُ بِالْأَشْهُرِ فَهِيَ بَدَلٌ عَنْ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ وَإِكْمَالُ الْبَدَلِ بِالْأَصْلِ غَيْرُ مُمْكِنٍ ثُمَّ قَالَ إذَا أَيِسَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَاعْتَدَّتْ - شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ حَاضَتْ اعْتَدَّتْ بِالْحَيْضِ وَهَذَا يَجُوزُ فِي الْعِبَادَةِ فَإِنَّهَا بَعْدَ مَا أَيِسَتْ لَا تَحِيضُ وَإِنَّمَا كَانَ مُعْجِزَةً لِنَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَلَكِنَّهَا حِينَ حَاضَتْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ آيِسَةً وَإِنَّمَا كَانَتْ مُمْتَدَّةً طُهْرُهَا فَلَهَا أَنْ تَعْتَبِرَ مَا مَضَى مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَ أَيَّامِهَا إذَا حَاضَتْ.

(قَالَ)، وَإِذَا وَلَدَتْ الْمُعْتَدَّةُ، وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ آخَرُ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى تَلِدَ الْآخَرَ هَكَذَا نَقَلَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَهَذَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤] وَذَلِكَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعِلْمُ بِفَرَاغِ الرَّحِمِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَا لَمْ تَضَعْ جَمِيعَ مَا فِي بَطْنِهَا.

(قَالَ) وَإِذَا تَزَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ الْمُعْتَدَّةُ مِنْ الطَّلَاقِ بِرَجُلٍ وَدَخَلَ بِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَالْآخَرُ ثَلَاثُ حِيَضٍ، وَهُوَ مَذْهَبُنَا لِأَنَّ الْعِدَّتَيْنِ إذَا وَجَبَتَا يَتَدَاخَلَانِ وَيَنْقَضِيَانِ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ إذَا كَانَتَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَتَدَاخَلَانِ وَلَكِنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ مِنْ الثَّانِي فَإِنْ كَانَتْ الْعِدَّتَانِ مِنْ وَاحِدٍ بِأَنْ وَطِئَ مُعْتَدَّتَهُ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ بِالشُّبْهَةِ فَلَا شَكَّ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا يَنْقَضِيَانِ بِمُدَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ بِسَبَبِ الثَّانِي أَصْلًا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا حَقَّانِ وَجَبَا لِمُسْتَحِقَّيْنِ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالْمَهْرَيْنِ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فَرْضُ كَفٍّ لَزِمَهَا فِي الْمُدَّةِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْكَفَّانِ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ كَصَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهَذَا هُوَ الْحَرْفُ الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ الْكَلَامُ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ كَفٌّ عَنْ الْأَزْوَاجِ وَالْخُرُوجِ فَتَكُونُ عِبَادَةً كَالْكَفِّ عَنْ اقْتِضَاءِ الشَّهَوَاتِ فِي الصَّوْمِ وَأَدَاءُ الْعِبَادَتَيْنِ فِي وَقْتٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>