للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعِدَّةِ وَمَا رُوِيَ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ قِيلَ إنَّهُ كَلَامُ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَثْبُتُ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ مَعْنَاهُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ بِالرِّجَالِ.

وَمَا رُوِيَ يُطَلِّقُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ الثَّالِثَةَ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ تَحْتَهُ أَمَةٌ وَإِنَّمَا قَالَهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَاعْتِبَارِ الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَابَلَ الطَّلَاقَ بِالْعِدَّةِ وَالْمُقَابَلَةُ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ وَبِالِاتِّفَاقِ فِي الْعِدَّةِ الْمُعْتَبَرِ حَالُهَا فَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ

وَمَنْ مَلَكَ عَلَى امْرَأَتِهِ عَدَدًا مِنْ الطَّلَاقِ يَمْلِكُ إيقَاعَهُ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ السَّنَةِ وَبِهَذَا أَفْحَمَ عِيسَى بْنَ أَبَانَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ أَيُّهَا الْفَقِيهُ إذَا مَلَكَ الْحُرُّ عَلَى امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ كَيْفَ يُطَلِّقُهَا فِي أَوْقَاتِ السَّنَةِ فَقَالَ يُوقِعُ عَلَيْهَا وَاحِدَةً فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ أَوْقَعَ عَلَيْهَا أُخْرَى فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ قَالَ حَسْبُك فَإِنَّ عِدَّتَهَا قَدْ انْقَضَتْ فَلَمَّا تَحَيَّرَ رَجَعَ فَقَالَ لَيْسَ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةٌ وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةٌ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ تَصَرُّفُ مَمْلُوكٍ فِي النِّكَاحِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ كَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ يَسْتَبِدُّ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى رِضَا الْمَوْلَى فَيَكُونُ فِيهِ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ كَالْإِقْرَارِ بِالْقِصَاصِ وَمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الرِّقُّ يُخْرِجُ الرَّقِيقَ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِمِلْكِهِ كَالْمَالِ وَلَمَّا بَقِيَ أَهْلًا لِمِلْكِ الطَّلَاقِ عَرَفْنَا أَنَّ الرِّقَّ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ لِأَنَّ الرِّقَّ يُؤَثِّرُ فِيهِ وَلَكِنَّ مِلْكُ النِّكَاحِ بِاعْتِبَارِ الْحِلِّ وَالْحِلُّ يَتَنَصَّفُ بِرِقِّهِ؛ فَلِهَذَا لَا يَتَزَوَّجُ إلَّا اثْنَتَيْنِ وَهَذَا لِأَنَّ الْحِلَّ نِعْمَةٌ وَكَرَامَةٌ فَيَكُونُ فِي حَقِّ الْحُرِّ أَزْيَدَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّ حِلَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَّسِعُ لِتِسْعِ نِسْوَةٍ كَرَامَةً لَهُ بِسَبَبِ النُّبُوَّةِ فَأَمَّا اعْتِبَارُ عَدَدِ النِّكَاحِ فَلَا مَعْنَى فِيهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْلِكُ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ الْعَقْدِ مَا لَا يُحْصَى حَتَّى لَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ طَلَاقٍ مِرَارًا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مَعْتُوهًا فَهَذَا دَلِيلُنَا لِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُهُ الْحُرُّ عَلَى النِّسَاءِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عُقْدَةً فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَيَمْلِكُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ عُقَدٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدُ نِصْفَ ذَلِكَ وَذَلِكَ سِتُّ عُقَدٍ بِأَنْ يَتَزَوَّجَ حُرَّتَيْنِ فَيَمْلِكُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَ عُقَدٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا فَأَمَّا الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ لَا يُؤَثِّرُ فِي مِلْكِ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي الْمُتَصَرِّفِ وَالْمُتَصَرِّفُ هُوَ الزَّوْجُ ثُمَّ هُوَ مُقَابَلٌ بِصِفَةِ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ حَالُهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ لَا حَالُ الرَّجُلِ.

(قَالَ) وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لَمْ يَعْتَدَّ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ مِنْ عِدَّتِهَا هَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَشُرَيْحٌ وَإِبْرَاهِيمُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُجْزِئُ

<<  <  ج: ص:  >  >>