للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ فِي إسْقَاطِهِ شَرْعًا، وَفِي وَصْفِ التَّطْلِيقَةِ بِالْبَيْنُونَةِ إسْقَاطُ خِيَارِ الرَّجْعَةِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَلَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الرَّجْعَةِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ إزَالَةَ مِلْكِ النِّكَاحِ مُعْتَبَرٌ بِإِزَالَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ تَارَةً يَكُونُ بِالْمُعَاوَضَةِ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِجِهَةِ التَّبَرُّعِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَرَادَ تَغْيِيرَهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ قَالَ وَهَبْتُ مِنْكِ هِبَةً تُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ كَانَ بَاطِلًا فَكَذَلِكَ إزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ تَارَةً يَكُونُ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْخُلْعُ فَيَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَتَارَةً يَكُونُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَيَتَأَخَّرُ إلَى مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ فَلَا يَمْلِكُ تَغْيِيرَهُ بِتَنْصِيصِهِ لِأَنَّ هَذَا التَّنْصِيصَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ لَا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ دُونَ لَفْظِ الصَّرِيحِ حَتَّى إنَّهَا لَا تَعْمَلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ.

فَإِذَا كَانَ الصَّرِيحُ الَّذِي هُوَ أَقْوَى لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ فَهَذَا أَوْلَى وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ غَيْرُ عَامِلَةٍ بِحَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا فَإِنَّ حَقِيقَةَ حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّدَةً كَحُرْمَةِ الْأُمَّهَاتِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّ مَا يَثْبُتُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْحُرْمَةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِالطَّلَاقِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا كِنَايَةٌ عَنْ الطَّلَاقِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ إيقَاعَ صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ تَصَرُّفٌ مِنْ الزَّوْجِ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا كَإِيقَاعِ أَصْلِ الطَّلَاقِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّكَاحِ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ، وَمَا صَارَ مَمْلُوكًا لَهُ إلَّا لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ وَكَذَلِكَ قَبْلَ الدُّخُولِ إزَالَةُ الْمِلْكِ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجِ وَبِالدُّخُولِ يَتَأَكَّدُ لَهُ مِلْكُهُ فَلَا يَبْطُلُ مَا كَانَ ثَابِتًا لَهُ بِالْمِلْكِ مِنْ وِلَايَةِ الْإِزَالَةِ وَكَذَلِكَ يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَنْ إزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الِاعْتِيَاضَ عَمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ فَثَبَتَ أَنَّ الْإِبَانَةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَكَانَ وَصْفُهُ الطَّلَاقَ الَّذِي أَوْقَعَ بِالْبَيْنُونَةِ تَصَرُّفًا مِنْهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَجِبُ إعْمَالُهُ مَا أَمْكَنَ وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ يَزُولَ الْمِلْكُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ إلَّا أَنَّ حُكْمَ الرَّجْعَةِ بَعْدَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَمَا ثَبَتَ شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يُلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ، وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَى صَرِيحِ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ يُجَامِعُ النِّكَاحَ أَلَا تَرَى أَنَّهَا بَعْدَ الرَّجْعَةِ تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ وَمَنْكُوحَةٌ وَلَا تُوصَفُ بِأَنَّهَا مُبَانَةٌ وَمَنْكُوحَةٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ يُؤْخَذُ فِيهِ بِأَصْلِ الْقِيَاسِ، وَلِأَنَّ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ الْمُبِينَ وَغَيْرَ الْمُبِينِ فَكَانَ قَوْلُهُ بَائِنًا لِتَعْيِينِ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ كَمَا نَقُولُ النَّاسُ يَكُونُ مُحْتَمِلًا لِلْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ وَإِذَا قَالَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَزُولُ بِهِ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ بِعْت يَحْتَمِلُ الْبَيْعَ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعَ الْبَاتَّ فَإِذَا قَالَ بَيْعًا بَاتًّا يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَهَذَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ لِضَعْفِهَا فِي نَفْسِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>