حَتَّى تَتَأَيَّدَ بِمَا يُقَوِّيهَا، وَهُوَ الْقَبْضُ وَبِشَرْطِهَا لَا تَتَقَوَّى.
وَهُنَا قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ لَا لِضَعْفِهِ لِأَنَّهُ قَوِيٌّ لَازِمٌ بَلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ فَإِذَا قَالَ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً فَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى حِينَ صَرَّحَ بِمَا هُوَ مُنَافٍ لِلنِّكَاحِ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تَعْمَلُ فِي حَقَائِقِ مُوجِبَاتِهَا فَإِنَّ حُرْمَتَهَا عَلَيْهِ تَثْبُتُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُؤَبَّدَةً عِنْدَ نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَلَكِنَّ الزَّوْجَ الثَّانِي رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ كَمَا أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالطَّلَاقِ يَثْبُتُ مُؤَبَّدًا وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ بَعْدَهُ يُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حَقِيقَةِ مُوجِبِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ إلَّا بِالطَّلَاقِ؛ فَلِهَذَا وَجَبَ إعْمَالُ نِيَّتِهِ فِي الطَّلَاقِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ حُرَّةٌ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى إزَالَةُ الْمِلْكِ فَإِنَّ النِّكَاحَ رِقٌّ وَحُرِّيَّتُهَا عَنْهُ تَكُونُ بِإِزَالَتِهِ.
فَأَمَّا إذَا قَالَ اعْتَدِّي فَهَذَا اللَّفْظُ كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ اعْتَدِّي نِعَمَ اللَّهِ أَوْ نِعَمِي عَلَيْك أَوْ اعْتَدِّي مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَيْسَ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ فِي الْحِسَابِ فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ وَالْعِدَّةُ تُجَامِعُ النِّكَاحَ ابْتِدَاءً وَبَقَاءً وَلَكِنْ مِنْ ضَرُورَةِ عِدَّتِهَا مِنْ النِّكَاحِ تَقَدُّمُ الطَّلَاقِ فَكَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ فِي كَلَامِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتُك فَاعْتَدِّي، وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ قَبْلَ الدُّخُولِ تَعْمَلُ نِيَّتُهُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَعَرَفْنَا أَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ عَامِلٍ فِي حَقِيقَتِهِ وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُضْمَرٌ يَظْهَرُ عِنْدَ نِيَّتِهِ عَرَفْنَا ذَلِكَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَوْدَةِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا اعْتَدِّي»، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ اسْتَبْرِئِي رَحِمَك بِمَنْزِلَةِ التَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ اعْتَدِّي لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُحْتَمِلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَاحِدَةً نَعْتًا لَهَا أَيْ وَاحِدَةً عِنْدَ قَوْمِك أَوْ مُنْفَرِدَةً عِنْدِي لَيْسَ مَعَكِ غَيْرُكِ أَوْ وَاحِدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِ فِي الْجَمَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِتَطْلِيقَةٍ أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ، فَإِذَا نَوَى يَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِطَرِيقِ الْإِضْمَارِ فَكَأَنَّهُ صَرَّحَ بِمَا هُوَ الْمُضْمَرُ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاحِدَةً نَعْتٌ لَهَا وَلَيْسَ فِيهِ احْتِمَالِ مَعْنَى الطَّلَاقِ أَصْلًا وَلَكِنَّا نَقُولُ كَلَامُ الْعَاقِلِ مَتَى أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا هُوَ مُفِيدٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ
فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ عِنْدَ النِّكَاحِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَلَا يُذْكَرُ لَفْظُ الطَّلَاقِ إلَّا مُضَافًا إلَى النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِنَّ الْإِطْلَاقُ وَالْمَعْنَى الْمُخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ النِّكَاحُ فَتَعَيَّنَ الطَّلَاقُ عَنْ النِّكَاحِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ مَا يَكُونُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute