للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا قَالَ لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك فَهُوَ نَفْيٌ فِي الْحَالِ، وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا فِي الْمَاضِي فَتَسَعُ فِيهِ نِيَّةَ الطَّلَاقِ بِالِاتِّفَاقِ، وَهَذَا دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ عَنَيْتُ طَالِقًا مِنْ الْوَثَاقِ أَوْ طَالِقًا مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلَكِنْ يُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ مِنْ الْإِطْلَاقِ وَالْإِطْلَاقُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِبِلِ وَالْوَثَاقِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ عِبَارَةً عَنْهُ مَجَازًا فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ كَلَامَهُ مَوْصُولًا مُرَادُهُ مِنْ قَوْلِهِ طَالِقٌ وَالْبَيَانُ الْمُغَيِّرُ صَحِيحًا مَوْصُولًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِقْرَارِ.

وَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِقَوْلِي طَالِقًا مِنْ عَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ فَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هُنَاكَ لَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَمَلِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا إلَّا أَنْ يَذْكُرَهُ مَوْصُولًا فَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ عَمَلِ كَذَا فَحِينَئِذٍ هِيَ امْرَأَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيَانٍ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اللَّفْظُ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَكُلُّ مَا لَا يُدَيِّنُهُ الْقَاضِي فِيهِ فَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا سَمِعَتْ مِنْهُ أَوْ شَهِدَ بِهِ شَاهِدَا عَدْلٍ لَا يَسَعُهَا أَنْ تُدَيِّنَ الزَّوْجَ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مِنْهُ إلَّا الظَّاهِرَ كَالْقَاضِي.

(قَالَ)، وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا فِي عِدَّتِهَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ وَهِيَ مِنْهُ بَائِنٌ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ صِيغَةَ كَلَامِهِ فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ أَوْ بَائِنٌ وَصْفٌ وَلَكِنْ يُجْعَلُ إيقَاعًا لِيَتَحَقَّقَ ذَلِكَ الْوَصْفُ بِمَا يَقَعُ، وَالْوَصْفُ هُنَا مُتَحَقِّقٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَ كَلَامَهُ إيقَاعًا.

وَالْأَوْجَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَعْمَلُ بِحَقَائِقِهَا مِنْ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ وَالْبَيْنُونَةِ بِهَا وَالثَّابِتُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ وَإِنَّمَا تَعْمَلُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ بِإِرَادَةِ الْفُرْقَةِ، أَوْ رَفْعِ النِّكَاحِ بِهَا، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ فِي عِدَّتِهَا وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى بِذَلِكَ اللَّفْظِ عِنْدَنَا وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ، وَلَوْ نَجَّزَ قَوْلَهُ أَنْتِ بَائِنٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا مِنْهَا كَمَا لَوْ نَجَّزَ الظِّهَارَ فِي الْحَالِ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا إذَا جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارِي ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ جَاءَ غَدٌ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عَلَيْهَا كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>