للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَلَكِنْ إنْ قَرِبَهَا، كَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بَاقِيَةٌ فَإِنَّ انْعِقَادَهَا وَبَقَاءَهَا لَا يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْحِلِّ، فَإِذَا قَرُبَهَا، تَحَقَّقَ حِنْثُهُ فِي الْيَمِينِ، فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.

(قَالَ): وَإِنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ قَدْ دَخَلَ بِهَا، فَهِيَ عِنْدَهُ عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ مُسْتَقْبَلَاتٍ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَإِبْرَاهِيمَ، وَأَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى هِيَ عِنْدَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعِمْرَانِ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَخَذَ الشُّبَّانُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ الْمَشَايِخِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَالْمَشَايِخُ مِنْ الْفُقَهَاءِ بِقَوْلِ الشُّبَّانِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -.

وَحُجَّةُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الْحَاصِلَةِ بِالثَّلَاثِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَكَلِمَةُ حَتَّى لِلْغَايَةِ حَقِيقَةً، وَبِالتَّطْلِيقَةِ وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ.

وَبِبَعْضِ أَرْكَانِ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْحُكْمِ، فَلَا يَكُونُ الزَّوْجُ الثَّانِي غَايَةً؛ لِأَنَّ غَايَةَ الْحُرْمَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا لَا يَتَحَقَّقُ كَمَا لَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا حَتَّى أَسْتَشِيرَ فُلَانًا ثُمَّ اسْتَشَارَهُ قَبْلَ مَجِيءِ رَأْسِ الشَّهْرِ، لَا يُعْتَبَرُ هَذَا: لِأَنَّ الِاسْتِشَارَةَ غَايَةٌ لِلْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُعْتَبَرُ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَإِذَا لَمْ تُعْتَبَرْ، كَانَ وُجُودُهَا كَعَدَمِهَا.

وَلَوْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ، أَوْ قَبْلَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، كَانَتْ عِنْدَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ، فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا: إصَابَةُ الزَّوْجِ الثَّانِي بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ يُلْحِقَ الْمُطَلَّقَةَ بِالْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْحُكْمِ الْمُخْتَصِّ بِالطَّلَاقِ كَمَا بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ تَصِيرُ مُحَرَّمَةً وَمُطَلَّقَةً ثُمَّ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي يَرْتَفِعُ الْوَصْفَانِ جَمِيعًا وَتَلْتَحِقُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَمْ يَتَزَوَّجْهَا قَطُّ، فَبِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ تَصِيرُ مَوْصُوفَةً بِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ، فَيَرْتَفِعُ ذَلِكَ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي، ثُمَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ لَا مُنْهٍ أَنَّ الْمَنْهِيَّ يَكُونُ مُتَقَرِّرًا فِي نَفْسِهِ، وَلَا حُرْمَةَ بَعْدَ إصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي فَدَلَّ أَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُرْمَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ، فَإِنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ» وَإِنَّمَا كَانَ مُحَلِّلًا؛ لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْحِلِّ، وَمِنْ ضَرُورَتِهِ أَنَّهُ يَكُونُ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ جَعْلَهُ غَايَةً مَجَازٌ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: ٤٣]، وَالِاغْتِسَالُ مُوجِبٌ لِلطَّهَارَةِ رَافِعٌ لِلْحَدَثِ لَا أَنْ يَكُونَ غَايَةً لِلْجَنَابَةِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ أَحْكَامَ الطَّلَاقِ تَثْبُتُ مُتَأَبِّدَةً لَا إلَى غَايَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>