للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ تَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهَا كَحُكْمِ زَوَالِ الْمِلْكِ لَا يَثْبُتُ مُؤَقَّتًا وَلَكِنْ يَرْتَفِعُ بِوُجُودِ مَا يَرْفَعُهُ، وَهُوَ النِّكَاحُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ فَإِنَّمَا يُوجِبُ حَلَالًا يَرْتَفِعُ إلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ وَالتَّطْلِيقَتَيْنِ فَيَثْبُتُ بِهِ، وَلَمَّا كَانَ رَافِعًا لِلْحُرْمَةِ إذَا اعْتَرَضَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، فَلَأَنْ يَرْفَعَهَا وَهُوَ بِعَرْضِ الثُّبُوتِ أَوْلَى، وَلَأَنْ يَمْنَعَ ثُبُوتَهَا إذَا اقْتَرَنَ بِأَرْكَانِهَا أَوْلَى وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ، وَذَلِكَ لَا يَرْتَفِعُ بِالزَّوْجِ الثَّانِي؛ حَتَّى لَا تَعُودَ مَنْكُوحَةً لَهُ، وَبَقَاءُ الْحُكْمِ بِبَقَاءِ سَبَبِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِرَافِعٍ لِلْحُرْمَةِ وَلَا هُوَ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ النِّكَاحِ الثَّانِي فِي حُرْمَتِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحِلِّ لِغَيْرِهِ وَسَمَّاهُ مُحَلِّلًا؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلْحِلِّ لَا؛ لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ سَمَّاهُ مَلْعُونًا بِاشْتِرَاطِ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ شَرْعًا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحِلِّ وَلَكِنَّ الْحُرْمَةَ تَحْتَمِلُ التَّوْقِيتَ كَحُرْمَةِ الْمُعْتَدَّةِ، وَحُرْمَةِ الِاصْطِيَادِ عَلَى الْمُحْرِمِ فَجَعَلْنَا الزَّوْجَ الثَّانِيَ غَايَةً لِلْحُرْمَةِ؛ عَمَلًا بِحَقِيقَةِ كَلِمَةِ حَتَّى الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ حَيْثُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَتَّى تَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ» وَمَسْأَلَةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا كِبَارُ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -؛ لِغَوْرِ فِقْهِهَا يَصْعُبُ الْخُرُوجُ مِنْهَا.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَدَخَلَتْ الدَّارَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَطْلُقُ بِالدُّخُولِ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَيْهِ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ عَلَيْهَا مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا إنَّمَا عَادَتْ إلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ الطَّلْقَاتِ.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ: كُلَّمَا تَزَوَّجْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثٌ كُلَّمَا تَزَوَّجَ بِهَا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي نُزُولَ الْجَزَاءِ بِتَكْرَارِ الشَّرْطِ.

وَانْعِقَادُ هَذِهِ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الَّتِي يَمْلِكُهَا عَلَيْهَا بِالتَّزَوُّجِ، وَتِلْكَ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ بِعَدَدٍ فَلِهَذَا بَقِيَتْ الْيَمِينُ بَعْدَ وُقُوعِ ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ: كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ، فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِنَّ انْعِقَادَ تِلْكَ الْيَمِينِ بِاعْتِبَارِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُوجَدْ الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَلَا تَبْقَى بَعْدَ وُقُوعِ التَّطْلِيقَاتِ الْمَمْلُوكَةِ عَلَيْهَا.

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى أَصْلِنَا أَنَّ مَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالظِّهَارِ يَجُوزُ إضَافَتُهُ إلَى الْمِلْكِ عَمَّ أَوْ خَصَّ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رُوِيَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي الظِّهَارِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقُولُ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَلَا عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>