الْقِيَاسِ مَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَلَّقَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْحَيْضِ، صَارَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ بِجَعْلِهِ. وَقَوْلُهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ كَحُرْمَةِ وَطْئِهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، وَحِلِّ الْوَطْءِ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ يُقْبَلُ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ سَلَّطَهَا عَلَى الْإِخْبَارِ فَكَذَلِكَ الزَّوْجُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِهِ يَصِيرُ مُسَلَّطًا لَهَا عَلَى الْإِخْبَارِ، وَإِذَا قَالَ: إذَا حِضْتِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ وَفُلَانَةُ مَعَك فَقَالَتْ: حِضْتُ فَقِيَاسُ الِاسْتِحْسَانِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى فُلَانَةَ كَمَا يَقَعُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِيمَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا فَيَكُونُ ثُبُوتُ هَذَا الشَّرْطِ بِقَوْلِهَا كَثُبُوتِ شَرْطٍ آخَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ، وَلَكِنَّا نَدَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ، وَنَقُولُ: لَا يَقَعُ عَلَى الْأُخْرَى شَيْءٌ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حَقَّ الضَّرَّةِ وَهِيَ مَا سَلَّطَتْهَا وَلَا رَضِيَتْ بِخَبَرِهَا فِي حَقِّ نَفْسِهَا ثُمَّ قَبُولُ قَوْلِهَا فِيمَا مَا لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهَا لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً كَمَا فِي حِلِّ الْوَطْءِ، وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ.
وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُسْتَحِقِّ إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي، لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ، وَإِنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ بِالسَّرِقَةِ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ فَلِهَذَا مِثْلُهُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: إذَا وَلَدْت غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِذَا وَلَدْت جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةَ أَوَّلًا طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ بِوِلَادَتِهَا الْجَارِيَةَ ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِوِلَادَتِهَا الْغُلَامَ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَوَّلًا، لَمْ يَقَعْ فِي الْقَضَاءِ إلَّا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ التَّيَقُّنَ فِيهَا، وَفِي الثَّانِيَةِ شَكٌّ، وَالطَّلَاقُ بِالشَّكِّ لَا يَقَعُ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ بِتَطْلِيقَتَيْنِ حَتَّى إذَا كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ هَذَا وَاحِدَةً فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَزَوَّجَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ ثَلَاثًا، وَلَأَنْ يَتْرُكَ امْرَأَةً يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَطَأَ امْرَأَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، وَإِنْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا وَلَدَتْ الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا، فَهِيَ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا، وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ، وَإِنْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلًا، طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ، وَتَطْلِيقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ وَلَدَتْ إحْدَى الْجَارِيَتَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْغُلَامَ ثُمَّ الْجَارِيَةَ، طَلُقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ بِوِلَادَةِ الْجَارِيَةِ الْأُولَى، وَالثَّالِثَةَ بِوِلَادَةِ الْغُلَامِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوِلَادَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ كَانَتْ الْوِلَادَةُ فَنَقُولُ فِي وَجْهٍ: هِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ وَفِي وَجْهَيْنِ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَفِي الْقَضَاءِ لَا تَطْلُقُ الِاثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ فِيهَا، وَفِي التَّنَزُّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute