فَكُلَّمَا وُجِدَ الشَّرْطُ فِي مِلْكِهِ طَلُقَتْ، وَالْأَصَحُّ رِوَايَةُ الْجَامِعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَمَامَ هَذَا الْكَلَامِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ الْجَامِعِ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الطَّلَاقِ حَيْضُهَا، وَالنِّفَاسُ لَيْسَ بِحَيْضٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُحْتَسَبُ بِهِ مِنْ أَقْرَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ قَالَ: إذَا حَبِلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَوَطِئَهَا مَرَّةً فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَبَهَا ثَانِيَةً حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ؛ لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ قَدْ حَبِلَتْ فَطَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ عَرَفْنَا أَنَّهَا لَمْ تَحْبَلْ، فَإِنْ تَبَيَّنَ فَرَاغُ رَحِمِهَا يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ بِدَلِيلِ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا حَالُهُ وَحَالُهَا مَادَامَ عِنْدَهُ، وَهُوَ جَوَابُ النُّزْهَةِ.
فَأَمَّا فِي الْحُكْمِ لَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْئِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَبَلٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَ النِّكَاحِ فِيمَا بَيْنَهُمَا يَقِينٌ، وَفِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ شَكٌّ، وَإِذَا وَلَدَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ هَذَا الْحَبَلَ كَانَ قَبْلَ الْيَمِينِ، وَشَرْطُ الْحِنْثِ حَبَلٌ حَادِثٌ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ حَبَلٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَهُوَ مَا إذَا لَوْ حَبِلَتْ فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ وَجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَلَكِنْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تَطْلُقْ أَيْضًا؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ حَبَلٍ قَبْلَ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْوَلَدَ يَبْقَى فِي الْبَطْنِ إلَى سَنَتَيْنِ. وَمَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ وَالْحِلُّ، وَإِنْ كَانَ قَائِمًا بَيْنَهُمَا يَسْنُدُ الْعُلُوقَ إلَى أَبْعَدِ الْأَوْقَاتِ تَحَرُّزًا عَنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ.
(قَالَ): وَإِذَا قَالَ لَهَا: إذَا وَضَعْت مَا فِي بَطْنِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِآخِرِهِمَا، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " مَا " يُوجِبُ التَّعْمِيمَ، فَشَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَنْ تَضَعَ جَمِيعَ مَا فِي بَطْنِهَا، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَلَدِ الثَّانِي، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: إنْ كَانَ حَمْلُك هَذَا جَارِيَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ غُلَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ اسْمٌ لِجَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٤]، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إلَّا بِوَضْعِ جَمِيعِ مَا فِي بَطْنِهَا.
فَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ حَمْلِهَا غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ حِينَ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَالَ: إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْجُوَالِقِ حِنْطَةً فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ مَا فِيهِ شَعِيرًا فَعَبْدُهُ حُرٌّ، فَإِذَا فِيهِ شَعِيرٌ وَحِنْطَةٌ لَمْ يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ.
وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ امْتَحَنَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِطْنَةَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: مَا تَقُولُ فِي عَنْزٍ وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ لَا ذَكَرَيْنِ وَلَا أُنْثَيَيْنِ، وَلَا أَسْوَدَيْنِ وَلَا أَبْيَضَيْنِ؟ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ فَتَأَمَّلَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: أَحَدُهُمَا ذَكَرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute