للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى كَمَا سَكَتَ يَقَعُ، وَأَصْلُ الْخِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ فَالْكُوفِيُّونَ مِنْهُمْ يَقُولُونَ إذَا قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ عَلَى السَّوَاءِ فَيُجَازَى بِهِ مَرَّةً وَلَا يُجَازَى بِهِ أُخْرَى، وَإِذَا كَانَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ سَقَطَ فِيهِ مَعْنَى الْوَقْتِ أَصْلًا كَحَرْفِ أَنْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْبَصْرِيُّونَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُونَ: إذَا لِلْوَقْتِ، وَلَكِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ مَجَازًا، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَعْنَى الْوَقْتِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الشَّرْطُ بِمَنْزِلَةِ مَتَى وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَهُمَا يَقُولَانِ: إذَا تُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْخَطَرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: ١] وَ {إذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار: ١].

وَيُقَالُ الرَّطْبُ إذَا اشْتَدَّتْ الْحَرُّ، وَالْبَرْدُ إذَا جَاءَ الشِّتَاءُ، وَالشَّرْطُ مَا هُوَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا شِئْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَخْرُجْ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: مَتَى شِئْت بِخِلَافِ قَوْلِهِ: إنْ شِئْت.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: " إذَا " قَدْ تَكُونُ لِلشَّرْطِ حَقِيقَةً يَقُولُ الرَّجُلُ: إذَا زُرْتَنِي، زُرْتُك، وَإِذَا أَكْرَمْتَنِي، أَكْرَمْتُك، وَالْمُرَادُ الشَّرْطُ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْقَائِلِ شِعْرٌ:

اسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالْغِنَى ... وَإِذَا تُصِبْكَ حُصَاصَةٌ فَتَحَمَّلْ

مَعْنَاهُ وَإِنْ تُصِبْك، فَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ هُنَا، إنْ حُمِلَ عَلَى مَعْنَى الشَّرْطِ، لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا.

وَإِنْ جُعِلَ بِمَعْنَى مَتَى، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ غَيْرُ وَاقِعٍ فَلَا نُوقِعُهُ بِالشَّكِّ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِقِيَامِهَا عَنْ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَا " إذَا " بِمَعْنَى الشَّرْطِ، خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا.

وَإِنْ جَعَلْنَاهَا بِمَعْنَى مَتَى، لَمْ يَخْرُجْ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَقَدْ عَرَفْنَا كَوْنَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا بِيَقِينٍ فَلَا نَخْرُجُهُ مِنْ يَدِهَا بِالشَّكِّ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا سَكَتُّ عَنْ طَلَاقِك، فَأَنْتِ طَالِقٌ تَطْلُقُ كَمَا سَكَتَ، وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ سَكَتُّ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا لَمْ أُطَلِّقْكِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ سَكَتَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى وَقْتٍ لَا يُطَلِّقُهَا فِيهِ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا.

وَعَقِيبَ سُكُوتِهِ يُوجَدُ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، بَعْضُهَا عَلَى أَثَرِ الْبَعْضِ فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا بِطَرِيقِ الْإِتْبَاعِ وَلَا يَقَعْنَ مَعًا حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: مَتَى مَا لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ مُوصِلًا بِكَلَامِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا إلَّا وَاحِدَةٌ.

وَفِي الْقِيَاسِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ

<<  <  ج: ص:  >  >>