مَوْقُوفًا عَلَى وُجُودِ أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ، وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَبَلِ كَلَامُهُ تَنْجِيزٌ لِلطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا هُوَ مَوْجُودٌ يَكُونُ تَنْجِيزًا فَلَمْ يَكُنْ الْوُقُوعُ مَوْقُوفًا عَلَى أَمْرٍ مُنْتَظَرٍ، وَلَكِنَّا لَا نَحْكُمُ بِهِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ؛ لِعَدَمِ عِلْمِنَا بِهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ.
وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ: إنَّ مَوْتَ فُلَانٍ حَقٌّ كَائِنٌ، وَقُدُومُهُ لَا يَدْرِي أَيَكُونُ أَوْ لَا يَكُونُ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ شَرْطًا بِذِكْرِ حَرْفِ الشَّرْطِ فِيهِ، أَوْ وُجُودِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الشَّرْطِ فِي الْفَصْلَيْنِ وَلَكِنْ وُجِدَ مَعْنَى الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّ وُجُودَهُ عَلَى خَطَرٍ وَهُوَ مِمَّا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِهِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنَّ الْحَالِفَ يَقْصِدُ بِيَمِينِهِ مَنْعَ الشَّرْطِ.
فَإِذَا تَوَقَّفَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى وُجُودِهِ وَفِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، انْتَصَبَ شَرْطًا، فَأَمَّا الْمَوْتُ فَلَا خَطَرَ فِي وُجُودِهِ بَلْ هُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِهِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ فَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِهَذَا الْكَلَامِ مَنْعَ الْمَوْتِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى الشَّرْطِ، كَانَ مُعَرِّفًا لِلْوَقْتِ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَإِنَّمَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ رَمَضَانَ بِشَهْرٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ الْوَقْتَ يَصِيرُ مَعْلُومًا قَبْلَ دُخُولِ رَمَضَانَ، وَهُنَا لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا مَا لَمْ يَمُتْ، فَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا لَنَا، تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا مِنْ أَوَّلِهِ.
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ قُدُومُ فُلَانٍ أَوْ مَوْتُهُ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ هَذَا الِاتِّصَالُ لَا يَقَعُ أَصْلًا إلَّا بَعْدَ الْقُدُومِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَا يَقْدَمُ أَصْلًا، وَبِدُونِ هَذَا الِاتِّصَالِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَصْلًا، أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ، هَذَا الِاتِّصَالُ ثَابِتٌ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ كَائِنٌ فَيُعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ فِي الشُّهُورِ الَّتِي تَأْتِي شَهْرًا مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَلَكِنْ لَا يُدْرَى أَيُّ شَهْرٍ ذَاكَ فَلَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ مَا لَمْ يَصِرْ مَعْلُومًا لَنَا، فَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا، تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا مِنْ أَوَّلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، يُقَرِّرُهُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَوْتِ الْوَقْتَ الْمُضَافَ إلَيْهِ يَصِيرُ مَعْلُومًا قَبْلَ حَقِيقَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ صَارَ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْلُومًا فَلِهَذَا لَا يَتَأَخَّرُ الطَّلَاقُ عَنْ الْمَوْتِ.
وَفِي مَسْأَلَةِ الْقُدُومِ لَا يَصِيرُ الْوَقْتُ مَعْلُومًا مَا لَمْ يُوجَدْ حَقِيقَةُ الْقُدُومِ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدَمَ فَلِهَذَا تَأَخَّرَ الطَّلَاقُ عَنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا قَبْلَ مَوْتِك بِشَهْرٍ فَمَاتَتْ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ، فَإِنْ مَاتَتْ بَعْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقَعُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute