أَوْ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ فَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَلَوْ كَانَ وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ صَارَ مُرَاجِعًا فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَفِي الْبَائِنِ يَلْزَمُهُ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَقَعُ الطَّلَاقُ مَقْصُورًا عَلَى حَالَةِ الْقُدُومِ وَالْمَوْتِ حَتَّى تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْوَطْءِ فِي الشَّهْرِ، وَلَا يَلْزَمُهُ بِهِ مَهْرٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فِي الْقُدُومِ الْجَوَابُ كَمَا قَالَا، وَفِي الْمَوْتِ الْجَوَابُ كَمَا قَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِهِ إنَّمَا يَقَعُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَوْقَعَهُ، وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ قُدُومُ فُلَانٍ أَوْ مَوْتُهُ فَيَقَعُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْوَقْتُ بَعْدَ الْيَمِينِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَنَا مَا لَمْ يُوجَدْ الْقُدُومُ وَالْمَوْتُ، فَإِذَا صَارَ مَعْلُومًا لَنَا، تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا كَمَا قَالَ لَهَا: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ حَتَّى يَسْتَمِرَّ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ وَاقِعًا عِنْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ؛ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَا يُحْكَمُ بِالْوُقُوعِ حَتَّى تَلِدَ، فَإِذَا وَلَدَتْ غُلَامًا تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أُوقِعَ عِنْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ بَعْدَ الْقُدُومِ أَوْ الْمَوْتِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَكَذَلِكَ إذَا أُوقِعَ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ شَهْرٍ لَمْ تَطْلُقْ.
وَلَوْ انْتَصَبَ التَّزَوُّجُ شَرْطًا وَكَانَ أَوَانُ الْوُقُوعِ بَعْدَهُ لَطَلُقَتْ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا: وُقُوعُ الطَّلَاقِ تَوَقَّفَ بِكَلَامِهِ عَلَى وُجُودِ الْقُدُومِ وَالْمَوْتِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ شَرْطٌ مَعْنًى، وَالْجَزَاءُ يَتَأَخَّرُ عَنْ الشَّرْطِ ثُمَّ هَذَا فِي الْقُدُومِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَفِي الشَّرْطِ مَعْنَى الْخَطَرِ وَالْمَوْتِ.
وَإِنْ كَانَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ وَلَكِنْ مَضَى الشَّهْرُ بَعْدَ كَلَامِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ كَائِنًا عِنْدَ يَمِينِهِ لَا مَحَالَةَ وَلِهَذَا قَالَ: لَوْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ، لَمْ تَطْلُقْ وَلِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ؛ فَكُلُّ شَهْرٍ يَمْضِي بَعْدَ يَمِينِهِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ الْوَقْتُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْمَوْتُ بِآخِرِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهُ كَمَا فِي الْقُدُومِ لَا يُعْلَمُ ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَقْدُمَ أَصْلًا فَكَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك بِشَهْرٍ فَإِنَّ الْإِضَافَةَ هُنَا لَغْوٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلطَّلَاقِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَضَافَ إلَيْهِ، وَاعْتِبَارُ مَعْنَى الشَّرْطِ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِضَافَةِ.
وَفِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ الشَّرْطُ يُوجَدُ بِرُؤْيَةِ قَطْرَةٍ مِنْ الدَّمِ، وَلَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ قَبْلَ تَمَامِ الثَّلَاثِ فَلَمْ يَكُنْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَاكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute