للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَيْعُ يَصِحُّ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ إذَا كَانَ لَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ قَفِيزًا مِنْ صُبْرَةٍ فَفِيمَا يَكُونُ مَبْنِيًّا عَلَى السِّعَةِ؛ لَأَنْ يَصِحَّ إيجَابُهُ فِي الْمَجْهُولِ كَانَ أَوْلَى.

وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ هُنَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَنْفَرِدُ بِالْبَيَانِ كَمَا يَنْفَرِدُ بِالْإِيقَاعِ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت هَذِهِ حِينَ تَكَلَّمْت فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْإِيقَاعِ عَلَيْهَا فَيَصِحُّ بَيَانُهُ أَيْضًا، وَمَا فِي ضَمِيرِهِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ، وَإِنْ قَالَ: مَا نَوَيْت وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا يُقَالُ لَهُ: أَوْقِعْ الْآنَ عَلَى أَيَّتِهِمَا شِئْتَ؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ الْأَوَّلَ كَانَ عَلَى مُنَكَّرٍ، وَأَحْكَامُ الطَّلَاقِ تَتَقَرَّرُ فِي الْمُنَكَّرِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ فَلِهَذَا يُقَالُ لَهُ: أَوْقِعْ عَلَى أَيَّتِهِمَا شِئْت.

وَإِنْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ طَلُقَتْ الْبَاقِيَةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ لَا يَتَبَيَّنُ قَبْلَ الْمَوْتِ فِي إحْدَاهُمَا لِمُزَاحَمَةِ الْأُخْرَى مَعَهَا وَقَدْ زَالَتْ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ الَّتِي مَاتَتْ خَرَجَتْ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ، وَتَعْيِينُ الطَّلَاقِ الْمُبْهَمِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ كَابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ، فَإِذَا خَرَجَتْ إحْدَاهُمَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ تَعَيَّنَتْ الْأُخْرَى، وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت الْمَيِّتَةَ حِينَ تَكَلَّمْتُ صُدِّقَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يُبْطِلَ مِيرَاثَهُ عَنْهَا وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ الطَّلَاقِ عَنْ الْحَيَّةِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ تَعَيَّنَ فِيهَا شَرْعًا فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَ الطَّلَاقِ عَنْهَا بِقَوْلِهِ.

(قَالَ): وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَاطَّلَعَتْ إحْدَاهُنَّ، فَقَالَ الزَّوْجُ الَّتِي اطَّلَعَتْ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ أَيَّتُهُنَّ هِيَ، وَقَدْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّهَا كَانَتْ إحْدَاهُنَّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْرَبَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ الْمُطَلَّقَةَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ هُنَا عَلَى الْمُعَيَّنَةِ ابْتِدَاءً فَتَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ.

وَلَا طَرِيقَ إلَى التَّحَرِّي فِي هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ إنَّمَا يَجُوزُ فِيمَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ بِالضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْفَرْجِ، وَلَيْسَ لَهُ الْبَيَانُ بِالْإِيقَاعِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ الْإِيقَاعَ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ هُنَا، وَقَدْ تَمَّ بِخِلَافِ الْأَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْإِبْهَامَ لَيْسَ مِنْ جِهَتِهِ، بَلْ بِاخْتِلَاطِ الْمُطَلَّقَةِ بِغَيْرِهَا بِخِلَافِ الْأَوْلَى، فَالْإِبْهَامُ هُنَاكَ مِنْهُ، فَكَانَ الْبَيَانُ إلَيْهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُطَلِّقَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً، وَيَتْرُكَهُنَّ حَتَّى يَبِنَّ، وَلَا يَتَزَوَّجَ شَيْئًا مِنْهُنَّ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَّتُهُنَّ صَاحِبَةُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الْفَرْجِ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَالِاحْتِيَاطُ فِي هَذَا.

(قَالَ): فَإِنْ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ فَخَاصَمَتْهُ فِي الطَّلَاقِ يَحْلِفُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا، وَالزَّوْجُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَانَ يَحْلِفُ لَهَا فَكَذَلِكَ بَعْدَهُ، فَإِنْ حَلَفَ أَمْسَكَهَا؛ لِأَنَّا عَرَفْنَاهَا فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مُطَلَّقَةٍ ثَلَاثًا فَحِينَ حَلَفَ؛ بَقِيَ الْأَمْرُ فِي الْحُكْمِ عَلَى مَا كَانَ مَعْلُومًا لَنَا قَبْلَ هَذَا، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ، وَتَزَوَّجْنَ بِأَزْوَاجٍ غَيْرِهِ، وَدَخَلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، ثُمَّ فَارَقُوهُنَّ نَكَحَ أَيَّتَهنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>