للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاءَ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا مِنْهُنَّ قَدْ حَلَّتْ لَهُ بِإِصَابَةِ الزَّوْجِ الثَّانِي؛ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ.

وَإِنْ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا، وَجَحَدَ الزَّوْجُ يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا هِيَ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَدَّعِي عَلَيْهِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ، فَإِنْ حَلَفَ لَهُنَّ جَمِيعًا بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى مَا كَانَ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا مُجَازَفَتَهُ فِي هَذِهِ الْأَيْمَانِ، فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِيهِنَّ، وَالْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ لَا تَرْفَعُ الْحُرْمَةَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا حَلَفَ لِثَلَاثٍ مِنْهُنَّ تَعَيَّنَتْ لِلطَّلَاقِ الرَّابِعَةُ، وَلَا يَحْلِفُ لَهَا وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَهُنَّ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ أَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا.

(قَالَ): وَإِذَا قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ: أَيَّتُكُنَّ أَكَلَتْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلْنَهُ؛ طَلُقْنَ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيَّ تَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ عَلَى الِانْفِرَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} [النمل: ٣٨]، وَحَرْفُ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، فَصَارَ مُعَلِّقًا طَلَاقَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ بِتَنَاوُلِهَا شَيْئًا مِنْ الطَّعَامِ، وَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّهِنَّ جَمِيعًا.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَيَّتُكُنَّ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلْنَهَا؛ طَلُقْنَ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ فَهِيَ طَالِقٌ فَشِئْنَ جَمِيعًا.

وَلَوْ قَالَ: أَيَّتُكُنَّ بَشَّرَتْنِي بِكَذَا، فَهِيَ طَالِقٌ فَبَشَّرْنَهُ جَمِيعًا مَعًا؛ طَلُقْنَ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى طَلُقَتْ الْأُولَى وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْبَشِيرَةُ فَإِنَّ الْبِشَارَةَ اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صِدْقٍ غَابَ عَنْ الْمُخْبَرِ عِلْمُهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ خَبَرٍ غَابَ عَنْ الْمُخْبَرِ بِهِ عِلْمُهُ، إذَا كَانَ صِدْقًا، فَهُوَ بِشَارَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَبِشَرِّهِمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢١]، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْخَبَرُ بِشَارَةً؛ لِتَغَيُّرِ بَشَرَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ سَمَاعِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُحْزِنًا يَتَغَيَّرُ إلَى الصُّفْرَةِ، وَإِنْ كَانَ سَارًّا إلَى الْحُمْرَةِ، وَلَكِنْ فِي الْعُرْفِ إنَّمَا يُطْلَقُ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْخَبَرِ السَّارِّ، وَإِنَّمَا وُجِدَ هَذَا فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِمَا غَابَ عَنْهُ عِلْمُهُ.

فَأَمَّا الثَّانِيَةُ أَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُ، فَكَانَتْ مُخْبِرَةً لَا بَشِيرَةً، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أُنْزِلَ فَلْيَقْرَأْ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ» فَاسْتَبَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنْ يُخْبِرَاهُ فَسَبَقَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: بَشَّرَنِي بِهِ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَأَخْبَرَنِي بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(قَالَ): قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِلْءَ الدَّارِ، أَوْ مِلْءَ الْجُبِّ، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِلَّا فَهِيَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَمْلَأُ الْوِعَاءَ الْعَظِيمَةَ فِي نَفْسِهِ تَارَةً؛ وَلِكَثْرَةِ عَدَدِهِ أُخْرَى، فَإِذَا نَوَى الثَّلَاثَ، عَلِمْنَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ كَثْرَةَ الْعَدَدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>