للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَقَامَ الْأَوَّلِ، وَالرُّجُوعِ عَنْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ عَمَّا أَوْقَعَهُ وَلَكِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ إيقَاعِ أُخْرَيَيْنِ، إذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا فَتَطْلُقُ ثَلَاثًا لِهَذَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَلَا عَلَى إقَامَةِ الثِّنْتَيْنِ مَقَامَهَا بِإِيقَاعِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ فَلُغِيَ آخِرُ كَلَامِهِ، وَإِنْ قَالَ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا: نَوَيْت بِالِاثْنَتَيْنِ تِلْكَ الْوَاحِدَةَ، وَأُخْرَى مَعَهَا لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الثِّنْتَيْنِ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَهُ إيقَاعُ مُبْتَدَأٌ فِيمَا نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَدِينٌ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ.

(قَالَ): وَإِذَا قَالَ: قَدْ كُنْتُ طَلَّقْتُكِ أَمْسِ وَاحِدَةً، لَا، بَلْ اثْنَتَيْنِ فَهِيَ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا فِي الْإِيقَاعِ؛ لِأَنَّ اثْنَتَيْنِ غَيْرُ وَاحِدَةٍ فَرُجُوعُهُ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَاحِدَةِ بَاطِلٌ، وَإِقْرَارُهُ بِالثِّنْتَيْنِ صَحِيحٌ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقُولُ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ، وَهُوَ مِمَّا يَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الْإِيقَاعِ، وَالْعَادَةِ.

الظَّاهِرُ أَنَّ فِي الْإِخْبَارِ بِهَذَا اللَّفْظِ يُرَادُ تَدَارُكُ الْغَلَطِ بِإِثْبَاتِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَدَدِ الْأَوَّلِ مَعَ إعَادَتِهَا فَإِنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: حَجَجْتُ حَجَّةً، لَا، بَلْ حَجَّتَيْنِ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارِ حَجَّتَيْنِ، وَإِذَا قَالَ: سِنِّي سِتُّونَ سَنَةً لَا، بَلْ سَبْعُونَ، يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْإِخْبَارِ سَبْعِينَ لَا غَيْرُ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فَلِهَذَا تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ، لَا بَلْ فُلَانَةُ طَلُقَتَا؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا خَبَرًا فَيَكُونُ خَبَرُ الْأُولَى خَبَرًا لَهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا، بَلْ فُلَانَةُ طَالِقٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا، بَلْ فُلَانَةُ، أَوْ قَالَ، بَلْ فُلَانَةُ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا.

وَإِنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، لَا بَلْ فُلَانَةُ طَالِقٌ طَلُقَتْ الْأُولَى ثَلَاثًا، وَالثَّانِيَةُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ لِلثَّانِيَةِ خَبَرًا فَوَقَعَ الِاسْتِغْنَاءُ بِذَلِكَ عَنْ جَعْلِ الْخَبَرِ الْأَوَّلِ خَبَرًا لَهَا.

وَإِنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ، أَوْ فُلَانَةُ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ كَلِمَةِ " أَوْ " إذَا دَخَلَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ إثْبَاتُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، بَيَانُهُ فِي آيَةِ الْكَفَّارَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: إحْدَاهُمَا طَالِقٌ، وَمَنْ يَقُولُ أَنَّ حَرْفَ " أَوْ " لِلتَّشْكِيكِ، فَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّشْكِيكَ لَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِيُوضَعَ لَهُ حَرْفٌ، وَلَكِنَّ حَقِيقَتَهُ مَا بَيَّنَّا أَنَّ مُوجِبَهُ إثْبَاتُ أَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ فَالْخِيَارُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ حَرْفَ " أَوْ " بَيْنَ عَدَدَيْنِ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَحَدَهُمَا، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا: كُلَّمَا حَبِلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَحَبِلَتْ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ، وَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَقَدْ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا حِينَ حَبِلَتْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ فَلَا يَقَعُ بِهِ عَلَيْهَا شَيْءٌ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا، وَهِيَ حُبْلَى، فَذَلِكَ مِنْهُ رَجْعَةٌ، ثُمَّ تَطْلُقُ بِالْوِلَادَةِ تَطْلِيقَةً أُخْرَى بِالْكَلَامِ الثَّانِي، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَهُوَ أَمْلَكُ بِرَجْعَتِهَا، فَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>