للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَبِلَتْ، وَقَعَتْ الثَّالِثَةُ عَلَيْهَا بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، ثُمَّ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ وَضَعَتْ جَمِيعَ مَا فِي بَطْنِهَا.

(قَالَ): رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُهَا: يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ، إنْ تَزَوَّجْتُك، أَوْ إذَا تَزَوَّجْتُك، أَوْ مَتَى تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، حُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّقَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ مُجْتَمِعَاتٍ بِشَرْطِ التَّزَوُّجِ فَيَقَعْنَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مَعًا كَمَا لَوْ أَخَّرَ الشَّرْطَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ دُونَ التَّرْتِيبِ، بَيَانُهُ فِي آيَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ ثَبَتَتْ بِهِ فَرْضِيَّةُ الطَّهَارَةِ فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ، وَالرَّجُلُ يَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَيَكُونُ مُخْبِرًا بِمَجِيئِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمَجِيءِ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: وَطَالِقٌ جُمْلَةٌ نَاقِصَةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ التَّامَّةِ، فَالْمَذْكُورُ فِي الْجُمْلَةِ التَّامَّةِ يَصِيرُ مُعَادًا فِي الْجُمْلَةِ النَّاقِصَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاَللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: ٤] مَعْنَاهُ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ فَهُنَا يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: وَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك، وَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا تَزَوَّجْتُك، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا جُمْلَةً، فَهَذَا مِثْلُهُ، وَبِأَنْ كَانَ لَوْ نَجَّزَ الطَّلَاقَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَتَفَرَّقُ الْوُقُوعُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ يَتَفَرَّقُ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا، بَلْ اثْنَتَيْنِ فَدَخَلَتْ الدَّارَ؛ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ نَجَّزَ بِهَذَا اللَّفْظِ الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُنَجَّزَ طَلَاقٌ فَتَبِينُ بِالْأُولَى قَبْلَ ذِكْرِ الثَّانِيَةِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ طَلَاقًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَمَا صَحَّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ جُمْلَةً إذَا لَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تَعَلَّقَ بِالشَّرْطِ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ فَيَقَعْنَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبَعْدَهَا أُخْرَى، وَبَعْدَهَا أُخْرَى، فَإِذَا وَقَعْنَ مُتَفَرِّقَاتٍ، بَانَتْ بِالْأُولَى فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ كَمَا لَوْ نَجَّزَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي اللُّغَةِ لِعَطْفٍ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْتَضِيَ جَمْعًا، وَلَا تَرْتِيبًا كَمَا فِي قَوْلِهِ: جَاءَنِي زَيْدٌ، وَعَمْرٌو، لَا يَقْتَضِي جَمْعًا حَتَّى يَسْتَقِيمَ أَنْ يَقُولَ وَعَمْرٌو بَعْدَهُ كَمَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَقُولَ: وَعَمْرٌو مَعَهُ، فَإِذَا كَانَ لِلْعَطْفِ فَالتَّطْلِيقَةُ الْأُولَى تَعَلَّقَتْ بِالشَّرْطِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَالثَّانِيَةُ بِوَاسِطَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهَا كَالْقِنْدِيلِ إذَا عُلِّقَ بِحَبْلٍ بِحَلَقٍ يَتَعَلَّقُ بِالْحَلَقَةِ الْأُولَى بِلَا وَاسِطَةٍ، وَبِالْحَلَقَةِ الثَّانِيَةِ بِوَاسِطَةِ الْأُولَى، وَكَعِقْدِ لُؤْلُؤٍ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا تَعَلَّقَ وَهَبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>