للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثَّالِثَةَ إنَّمَا اسْتَحَقَّتْ صِفَةَ الْآخِرِيَّةِ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَجَزَ عَنْ التَّزَوُّجِ بِغَيْرِهَا فَتَطْلُقُ فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ لَهَا: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك أُخْرَى فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ، وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ آخِرًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا غَيْرَهَا إلَّا أَنَّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَمَّا أَخَذَتْ الْمِيرَاثَ بِحُكْمِ الْفِرَارِ لَزِمَهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ مَعَ عِدَّةِ الطَّلَاقِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَلْزَمُهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، وَإِنْ وَرِثَتْهُ بِالْفِرَارِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: لَمَّا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ فَقَدْ اتَّصَفَتْ بِصِفَةِ الْآخِرِيَّةِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ بِعَرْضِ أَنْ تَزُولَ عَنْهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا فَلَا يُحْكَمُ بِالطَّلَاقِ لِهَذَا، فَإِذَا لَمْ يَتَزَوَّج غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَ تَقَرَّرَتْ صِفَةُ الْآخِرِيَّةِ فِيهَا مِنْ حِينِ تَزَوَّجَهَا فَتَطْلُقُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ: لِجَوَازِ أَنْ يَنْقَطِعَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا مَعَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ الدَّمِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ عَدَمَ التَّزَوُّجِ شَرْطًا مُفْصِحًا بِهِ لِلطَّلَاقِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الشَّرْطُ إلَّا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الشَّرْطُ لَا يَنْزِلُ الْجَزَاءُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ الْفَصْلَانِ؛ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ مَعَ التَّقَارُبِ فِي الْمَعْنَى كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ أَشَأْ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ مَادَامَ حَيًّا وَلَوْ قَالَ: إنْ أَبَيْتُ طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَبَيْتُ طَلَاقَك تَطْلُقُ، وَهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْجَوَابُ لِاخْتِلَافِ لَفْظِ الشَّرْطِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: آخِرُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ وَاحِدَةً لَمْ يَتَزَوَّجْ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا حَتَّى مَاتَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا فَلَا تَكُونُ آخِرَ امْرَأَةٍ فَإِنَّ صِفَةَ الْأَوَّلِيَّةِ، وَالْآخِرِيَّةِ لَا تَجْتَمِعُ فِي مَخْلُوقٍ وَاحِدٍ؛ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّضَادِّ فِي الْمَعْنَى فِي الْمَخْلُوقِينَ فَإِنَّ أَحَدَهُمَا لِمَعْنَى السَّبْقِ، وَالْآخَرَ لِمَعْنَى التَّأَخُّرِ فِي الزَّمَانِ، وَلَوْ قَالَ: أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ، وَإِحْدَاهُمَا مُعْتَدَّةٌ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّزَوُّجِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَتَنَاوَلُ الْعَقْدَ الصَّحِيحَ دُونَ الْفَاسِدِ، وَنِكَاحُ الْمُعْتَدَّةِ بَاطِلٌ، وَإِنَّمَا صَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى فَهِيَ فَرْدٌ سَابِقٌ فِي نِكَاحِهِ فَكَانَتْ أَوَّلًا، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَهَا بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ طَلُقَتْ هَذِهِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمَّا لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِي كَلَامِهِ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي كَلَامِهِ الثَّانِيَةُ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا فَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ عَلَيْك الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً نِكَاحًا فَاسِدًا لَمْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ بِهَذَا؛ لِأَنَّ ذِكْرَ التَّزَوُّجِ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>