بِمُبَاشَرَةِ الْوَكِيلِ، وَإِنْ عَنِيَ فِي النِّكَاحِ مَا وَلِيَ عَقْدَهُ بِنَفْسِهِ لَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَهُوَ مَدِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نِيَّةِ التَّخْصِيصِ فِي الْعَامِّ فَإِنَّ مُطْلَقَ اللَّفْظِ يَتَنَاوَلُ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ وَمُبَاشَرَةَ الْغَيْرِ لَهُ بِأَمْرِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَطَلَّقَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْمُطَلِّقُ بِعِبَارَةِ الْوَكِيلِ فَإِنَّ الْوَكِيلَ بِالطَّلَاقِ مُعَبِّرٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَشَاءَتْ أَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُطَلِّقَ لَهَا فَكَذَلِكَ هُنَا، وَإِنْ قَالَ: نَوَيْت أَنْ أُطَلِّقَهَا بِلِسَانِي لَمْ يَدِنْ فِي الْقَضَاءِ وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ.
وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ بَانَتْ بِالْأُولَى عِنْدَنَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْجَمْعِ فَجَمْعُهُ بَيْنَ التَّطْلِيقَاتِ بِحَرْفِ الْجَمْعِ كَجَمْعِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْوَاوُ لِلْعَطْفِ فَلَا يَقْتَضِي جَمْعًا، وَلَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ أَوَّلِ الْكَلَامِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ وَاقِعٌ أَوْقَعَ الثَّانِيَةَ، وَالثَّالِثَةَ، أَوْ لَمْ يُوقِعْ فَتَبِينُ بِالْأُولَى كَمَا تَكَلَّمَ بِهَا، ثُمَّ قَدْ تَكَلَّمَ بِالثَّانِيَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ فِي عِدَّتِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ ذَكَرَ شَرْطًا، أَوْ اسْتِثْنَاءً فِي آخِرِ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ فَتَوَقَّفَ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَعْدَهَا أُخْرَى، أَوْ قَبْلَ أُخْرَى فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَهَذَا الْجِنْسُ مِنْ الْمَسَائِلِ يَنْبَنِي عَلَى أَصْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مَتَى ذَكَرَ النَّعْتَ بَيْنَ اسْمَيْنِ فَإِنْ أَلْحَقَ بِهِ حَرْفَ الْكِنَايَةِ، وَهُوَ حَرْفُ الْهَاءِ كَانَ نَعْتًا لِلْمَذْكُورِ آخِرًا، وَإِنْ لَمْ يُلْحِقْ كَانَ نَعْتًا لِلْمَذْكُورِ أَوَّلًا تَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ قَبْلَ عَمْرٍو فَيَكُونُ قَبْلُ نَعْتًا لِمَجِيءِ زَيْدٍ، وَإِذَا قُلْتَ: قَبْلَهُ عَمْرٌو كَانَ نَعْتًا لِمَجِيءِ عَمْرٍو. (وَالثَّانِي) أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِطَلَاقٍ سَابِقٍ يَكُونُ ذَلِكَ إيقَاعًا مِنْهُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ الِاسْتِنَادِ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلْإِيقَاعِ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْإِسْنَادِ، إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً قَبْلَ أُخْرَى تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ قَبْلَ نَعْتٌ لِلْأُولَى، وَمَعْنَاهُ قَبْلَ أُخْرَى تَقَعُ عَلَيْك فَتَبِينُ بِالْأُولَى، وَلَوْ قَالَ قَبْلَهَا أُخْرَى تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ قَبْلَ نَعْتٌ لِلْمَذْكُورِ آخِرًا فَكَأَنَّهُ قَالَ: قَبْلَهَا أُخْرَى وَقَعَتْ عَلَيْك، وَهَذَا مِنْهُ إسْنَادٌ لِلثَّانِيَةِ إلَى وَقْتٍ مَاضٍ فَيَكُونُ مُوقِعًا لَهَا فِي الْحَالِ مَعَ الْأُولَى.
وَلَوْ قَالَ: بَعْدَ أُخْرَى تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ نَعْتٌ لِلْأُولَى فَيَكُونُ مَعْنَاهُ بَعْدَ أُخْرَى وَقَعَتْ عَلَيْك، وَلَوْ قَالَ: بَعْدَهَا أُخْرَى تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ بَعْدَهَا هُنَا نَعْتٌ لِلثَّانِيَةِ، وَمَعْنَاهُ بَعْدَهَا أُخْرَى تَقَعُ عَلَيْك فَتَبِينُ بِالْأُولَى.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: مَعَ أُخْرَى، أَوْ مَعَهَا أُخْرَى تَطْلُقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute