اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَعَ لِلْقِرَانِ فَقَدْ قَرَنَ إحْدَى التَّطْلِيقَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَأَوْقَعَهُمَا جَمِيعًا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: اثْنَتَيْنِ مَعَ وَاحِدَةٍ، أَوْ مَعَهَا وَاحِدَةٌ، أَوْ قَبْلَهَا وَاحِدَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ لِمَا قُلْنَا.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنِصْفًا قَبْلَ الدُّخُولِ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ كَمَالُهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا كُلُّهُ كَكَلَامٍ وَاحِدٍ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ وَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ بِعِبَارَةٍ أَوْجَزَ مِنْ هَذِهِ فَإِنَّ لِوَاحِدَةٍ وَنِصْفٍ عِبَارَتَيْنِ، إمَّا هَذِهِ، وَإِمَّا اثْنَتَانِ إلَّا نِصْفٌ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالِاسْتِثْنَاءِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ أَوْلَى الْعِبَارَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَ كَلَامًا وَاحِدًا مَعْنَى لَا يُفْصَلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَاحِدَةً، وَوَاحِدَةً فَكَأَنَّهُمَا عِبَارَتَانِ؛ لِأَنَّ لِلِاثْنَتَيْنِ عِبَارَةً أَوْجَزَ مِنْ هَذِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ اثْنَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إحْدَى وَعِشْرِينَ، عِنْدَنَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْعَدَدِ عِبَارَةٌ أَوْجَزُ مِنْ هَذِهِ فَكَانَ الْكَلَامُ وَاحِدًا مَعْنًى، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُمَا كَلَامَانِ أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى الْآخَرِ فَتَبِينُ بِالْأُولَى.
وَإِنْ قَالَ: إحْدَى عَشْرَةَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعَطْفِ فَكَانَ الْكُلُّ وَاحِدًا، وَلَوْ قَالَ: إحْدَى وَعَشْرَةً، عِنْدَنَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ حَرْفَ الْعَطْفِ كَانَ كَلَامَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: وَاحِدَةً وَمِائَةً، عِنْدَنَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاحِدَةً.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ هُنَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ الْمَعْرُوفَةَ لِهَذَا الْعَدَدِ مِائَةٌ وَوَاحِدَةٌ، فَإِذَا غَيَّرَ ذَلِكَ تَفَرَّقَ كَلَامُهُ فَتَبِينُ بِالْأُولَى.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، أَوْ قَالَ: الْبَائِنُ يَنْوِي ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ أَلْبَتَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَطْعِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْقَطْعَ نَوْعَانِ، فَهُوَ بِنِيَّةِ الثَّلَاثِ يَنْوِي أَحَدَ نَوْعَيْ الْقَطْعِ فَيَعْمَلُ بِنِيَّتِهِ، وَكَذَلِكَ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَرَامًا يَنْوِي ثَلَاثًا، فَهُوَ كَمَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى أَحَدَ نَوْعَيْ الْحُرْمَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: طَالِقٌ الْحَرَامَ، فَهَذَا وَقَوْلُهُ حَرَامٌ سَوَاءٌ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ وَاحِدَةٌ، فَإِنَّ مَا ذَكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ طَالِقٌ تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ، فَهَذَا وَقَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا سَوَاءٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ أَوْ طَلَاقًا، فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِنْ عَنَى بِطَالِقٍ تَطْلِيقَةً، وَبِالطَّلَاقِ أُخْرَى فَهِيَ ثِنْتَانِ رَجْعِيَّتَانِ إنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ لَفْظِ صَرِيحِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، فَإِنَّهُ لَمَّا نَوَى بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَطْلِيقَةً كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ فَتَبِينُ بِالْأُولَى.
فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ كُلَّهُ فَهِيَ طَالِقٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute