للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلَاقَك، أَوْ قَدْ خَلَّيْت سَبِيلَ طَلَاقِك، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ فَهِيَ طَالِقٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَرْكَهَا بِطَرِيقِ الْإِعْرَاضِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَرَكْتُهَا بِأَنْ أَخْرَجْتُهَا مِنْ يَدِي بِالْإِيقَاعِ فَيَنْوِي فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَاتِ.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إيقَاعٌ، وَكَلِمَةَ كُلٍّ تَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ عَلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَذَلِكَ بِتَجَدُّدِ الْوُقُوعِ حَتَّى تَطْلُقَ ثَلَاثًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَاحِدَةً، وَلَكِنَّا نَقُولُ: كَلَامُهُ صِفَةٌ، وَقَدْ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَهِيَ بِالتَّطْلِيقَةِ الْوَاحِدَةِ تَتَّصِفُ بِهِ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا كَلَامَهُ إيقَاعًا لِضَرُورَةِ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِالْوَاحِدَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَبَدًا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فِي كُلِّ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ حَرْفَ " فِي " لِلظَّرْفِ، وَالزَّمَانُ ظَرْفٌ لِلطَّلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعُ فِيهِ فَمَا يَكُونُ الْيَوْمُ ظَرْفًا لَهُ لَا يَصْلُحُ الْغَدُ ظَرْفًا لَهُ فَيَتَجَدَّدُ الْإِيقَاعُ؛ لِتَحْقِيقِ مَا اقْتَضَاهُ حَرْفُ فِي، وَفِي قَوْلِهِ: كُلَّ يَوْمٍ إنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً أُخْرَى فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَتَطْلُقُ ثَلَاثًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إمَّا؛ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ حَرْفَ " فِي " أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ التَّطْلِيقَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلِيقَةً.

(قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهِيَ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ بِوُقُوعِ الْوَاحِدَةِ عَلَيْهَا تَتَّصِفُ بِالطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ، وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَهِيَ طَالِقٌ كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً حَتَّى تَسْتَكْمِلَ ثَلَاثًا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إمَّا؛ لِإِضْمَارِ حَرْفِ " فِي " أَوْ؛ لِإِضْمَارِ التَّطْلِيقَةِ.

(قَالَ): وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْك مِنْ الطَّلَاقِ، أَوْ مَا لَا يَقَعُ عَلَيْك مِنْ الطَّلَاقِ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ لَغْوٌ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيمَا يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ عَلَيْهَا طَلَاقٌ مَوْصُوفٌ بِمَا ذَكَرَ، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَقَعْنَ عَلَيْك، أَوْ ثَلَاثًا لَا يَجُزْنَ عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ لِمَا بَيَّنَّا، وَفِي النَّوَادِرِ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ قَالَ: عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَطْلُقُ تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَطْلُقُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُبْحَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ، وَذَلِكَ هُوَ الطَّلَاقُ الْمُزِيلُ لِلْمِلْكِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: قَدْ يَكُونُ الْقُبْحُ بِالْإِيقَاعِ فِي غَيْرِ وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا تَثْبُتُ صِفَةُ الْبَيْنُونَةِ بِالشَّكِّ.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَأَنَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَالْخِيَارُ بَاطِلٌ، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ لِلْفَسْخِ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا لِلْمَنْعِ عَنْ الْوُقُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>