للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ يَا أُخْتَاهُ، أَوْ يَا جَدَّتَاهُ كَانَ هَذَا بَاطِلًا، وَلَا تَقَعُ بِهِ الْفُرْقَةُ؛ لِأَنَّ فِي مَوْضِعِ النِّدَاءِ الْمُرَادَ إحْضَارُهَا لَا تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِيهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُنَادِيهَا بِمَا لَا يَتَحَقَّقُ فِيهَا فِي مَوْضِعِ الْإِهَانَةِ كَالْكَلْبِ، وَالْحِمَارِ، وَفِي مَوْضِعِ الْإِكْرَامِ كَحُورِ الْعِينِ وَنَحْوِهِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ التَّحْقِيقَ وَبِدُونِ قَصْدِ التَّحْقِيقِ لَا عَمَلَ لِهَذَا الْكَلَامِ فِي قَطْعِ الزَّوْجِيَّةِ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ.

(قَالَ): قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ وَهَبْتُ لَكِ طَلَاقَكِ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَهِيَ طَالِقٌ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ هَذَا طَلَّقْتُك بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنَّ هِبَةَ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ جَعْلُهُ لَهُ مَجَّانًا.

وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ طَلَاقَكَ بِكَذَا، فَقَالَتْ: قَبِلْتُ طَلُقَتْ فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: وَهَبْت لَك طَلَاقَك تَطْلُقُ، وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ قَبُولِهَا لِأَجْلِ الْبَدَلِ، وَإِنْ كَانَ يَنْوِي بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ فِي يَدِهَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ الْهِبَةَ تُزِيلُ مِلْكَ الْوَاهِبِ عَنْ الْمَوْهُوبِ، وَبِجَعْلِ الطَّلَاقِ فِي يَدِهَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الطَّلَاقِ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ تَمْلِيكٌ لِذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ؛ فَيَكُونُ هَذَا تَمْلِيكًا لِلْأَمْرِ مِنْهَا، فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَهِيَ امْرَأَتُهُ.

(قَالَ): وَإِذَا قَالَ لِآخَرَ: أَخْبِرْ امْرَأَتِي بِطَلَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ سَوَاءٌ أَخْبَرَهَا بِهِ أَوْ لَمْ يُخْبِرْهَا؛ لِأَنَّ حَرْفَ الْبَاءِ لِلْإِلْصَاقِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَخْبِرْهَا بِمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا مِنْ الطَّلَاقِ مَوْصُولًا بِالْإِيقَاعِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي إيقَاعًا سَابِقًا لَا مَحَالَةَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: احْمِلْ إلَيْهَا طَلَاقَهَا، أَوْ بَشِّرْهَا بِطَلَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ بَلَغَهَا، أَوْ لَمْ يَبْلُغْهَا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ بَشِّرْهَا بِمَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا، أَوْ احْمِلْ إلَيْهَا مَا أَوْقَعْتُ عَلَيْهَا.

وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَخْبِرْهَا أَنَّهَا طَالِقٌ أَوْ قُلْ لَهَا: إنَّهَا طَالِقٌ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ، وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ، وَالْكَذِبَ فَالْأَصْلُ فِيهِ الصِّدْقُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ إيقَاعِهِ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: وَهَبْتُ لَك عِتْقَك، أَوْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْك بِعِتْقِك، أَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَخْبِرْهُ أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ بَشِّرْهُ بِأَنَّهُ حُرٌّ أَوْ قُلْ لَهُ أَنَّهُ حُرٌّ كَانَ حُرًّا لِمَا بَيَّنَّا.

(قَالَ): وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي هَبْ لِي طَلَاقِي، فَقَالَ: قَدْ وَهَبْتُ لَكِ طَلَاقَك يُرِيدُ بِذَلِكَ لَا أُطَلِّقُك فَهِيَ امْرَأَتُهُ فِي الْقَضَاءِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ جَوَابٌ لِسُؤَالِهَا، وَهِيَ إنَّمَا سَأَلَتْهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْإِيقَاعِ، وَقَدْ أَظْهَرَ بِكَلَامِهِ أَنَّهُ أَجَابَهَا إلَى مَا سَأَلَتْهُ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إيقَاعًا مِنْهُ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: قَدْ أَعْرَضْتُ عَنْ طَلَاقِك، أَوْ صَفَحْت عَنْ طَلَاقِك يُرِيدُ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى ضِدَّ كَلَامِهِ فَإِنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الشَّيْءِ بِتَرْكِ الْخَوْضِ فِيهِ، وَهُوَ ضِدُّ الْإِيقَاعِ، وَلَوْ قَالَ: قَدْ تَرَكْتُ طَلَاقَك، أَوْ قَدْ خَلَّيْت

<<  <  ج: ص:  >  >>