قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ بِذِكْرِ الْوَقْتِ قَصَدَ التَّرْفِيهَ عَلَى نَفْسِهِ فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا ذَهَبَ هَذَا الْيَوْمُ، فَمَا لَمْ يَذْهَبْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ.
(قَالَ): رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا مُطَلَّقَةُ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالطَّلَاقِ حِينَ نَادَاهَا بِهِ فَكَانَ هَذَا وَقَوْلُهُ: أَنْتِ طَالِقٌ سَوَاءً أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: يَا زَانِيَةُ كَانَ قَاذِفًا لَهَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَنْتِ زَانِيَةٌ، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْتُ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ لَهَا قَبْلِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَى كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الْمُحَالَ، وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ فَهُوَ مَدِينٌ فِي الْقَضَاءِ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ فَإِنَّ النِّدَاءَ فِي الْحَقِيقَةِ بِوَصْفٍ مَوْجُودٍ، وَذَلِكَ مِنْ طَلَاقِ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ كَلَامِهِ الْوَصْفُ، وَهُوَ غَيْرُ الْإِيقَاعِ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلَّقْتُك أَمْسِ، وَهُوَ كَاذِبٌ كَانَتْ طَالِقًا فِي الْقَضَاءِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ، وَالْكَذِبِ إلَّا أَنَّ دِينَهُ وَعَقْلَهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الصِّدْقِ وَيَمْنَعُهُ عَنْ الْكَذِبِ فَحَمَلْنَا كَلَامَهُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الصِّدْقِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُخْبَرُ عَنْهُ إذَا كَانَ كَذِبًا لَا يَصِيرُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ صِدْقًا؛ فَلِهَذَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لَهَا: يَا بَائِنُ، أَوْ يَا حَرَامُ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي يُشْبِهُ الْفُرْقَةَ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُسَمِّيَهَا تَسْمِيَةً، وَلَا يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا نَوَى؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُبْهَمٌ مُحْتَمِلٌ، فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: يَا بَائِنُ، فَإِذَا قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ كَانَ مُدَيَّنًا فِي الْقَضَاءِ، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِنْ قَالَ: يَا مُطَلَّقَةُ يُرِيدُ أَنْ يُسَمِّيَهَا بِذَلِكَ، وَلَا يُرِيدُ الطَّلَاقَ وَسِعَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ يَكُونُ بِعَيْنِهِ لَا بِنِيَّتِهِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ إلَّا أَنَّ مَا نَوَاهُ مُحْتَمَلٌ فَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: عَنَيْتُ الطَّلَاقَ عَنْ الْوَثَاقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: يَا حُرُّ يُرِيدُ أَنْ يُسَمِّيَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَكِنْ يُعْتَقُ بِهِ فِي الْقَضَاءِ.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي فَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُحْتَمِلٌ لِلْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠]، وَفِي الْقَبِيلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: ٦٥] وَبِالْمُحْتَمِلِ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ: هَذَا أَخِي كَانَ صَادِقًا وَلَمْ يُعْتَقْ، وَإِنْ قَالَ هَذِهِ أُمِّي أَوْ ابْنَتِي مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ، أَوْ قَالَ هِيَ عَمَّتِي أَوْ خَالَتِي مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ: كَذَبْتُ أَوْ تَوَهَّمْتُ فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا إذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ وَلِزَوْجَتِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: يَا أُمَّاهُ، أَوْ يَا بِنْتَاهُ، أَوْ يَا عَمَّتَاهُ، أَوْ يَا خَالَتَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute