أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: أَكَلْنَ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ أَكَلَتْ رَغِيفًا وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي الْوَصْفِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ وَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ ثَلَاثًا، وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ كَامِلَةٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ التَّطْلِيقَةِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَإِيقَاعُ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ مِنْ الزَّوْجِ بَاطِلٌ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مَا لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ، فَكَانَ هُوَ مُوقِعًا تَطْلِيقَةً كَامِلَةً بِهَذَا اللَّفْظِ، وَإِيقَاعُ التَّطْلِيقَةِ مَشْرُوعٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ جُزْءٍ سَمَّاهُ مِنْ نِصْفٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ فَهُوَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَيْ تَطْلِيقَةٍ فَهِيَ طَالِقٌ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَوْقَعَ أَجْزَاءَ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ.
(قَالَ): وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ، وَثُلُثَ تَطْلِيقَةٍ، وَرُبُعَ تَطْلِيقَةٍ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَ مِنْ كُلِّ تَطْلِيقَةٍ مِنْ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ جُزْءٌ فَإِنَّهُ نَكَّرَ التَّطْلِيقَةَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ، وَالْمُنَكَّرُ إذَا أُعِيدَ مُنَكَّرًا فَالثَّانِي غَيْرُ الْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٥] {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٦]: لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنَ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَسُدُسَهَا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ إلَى تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ وَثُلُثَهَا وَرُبُعَهَا، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ هُنَا: تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّكَ إذَا جَمَعْت هَذِهِ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ تَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَجْزَاءَ الْمَذْكُورَةَ إلَى تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ بِحَرْفِ الْكِنَايَةِ فَلَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ.
(قَالَ): وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَصْنَعِي كَذَا وَكَذَا لِعَمَلٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَصْنَعُهُ أَبَدًا نَحْوُ: أَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ تَمَسِّي السَّمَاءَ بِيَدِكِ، أَوْ إنْ لَمْ تُحَوِّلِي هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا فَهِيَ طَالِقً سَاعَةَ تَكَلَّمَ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَدْخُلِي الدَّارَ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَمُوتَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فَوَاتُ الدُّخُولِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ مَوْتِهَا، فَإِنَّ الدُّخُولَ مِنْهَا يَتَأَتَّى مَا دَامَتْ حَيَّةً، فَأَمَّا هُنَا الشَّرْطُ عَدَمُ مَسِّ السَّمَاءِ مِنْهَا، أَوْ تَحْوِيلُ الْحَجَرِ ذَهَبًا، وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَلِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ عَجْزٌ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الدُّخُولِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَوْ وَقَّتَ وَقْتًا، فَقَالَ أَنْتَ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُمْسِي السَّمَاءَ الْيَوْمَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْيَوْمِ عِنْدَنَا، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تَطْلُقُ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الشَّرْطِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْحَالِ؛ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ فِي الْيَمِينِ الْمُؤَقَّتِ كَالْعُمْرِ فِي الْمُطْلَقِ فَكَمَا لَا يُنْتَظَرُ هُنَاكَ مَوْتُهَا؛ فَكَذَلِكَ هُنَا لَا يُنْتَظَرُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: عِنْدَ ذِكْرِ الْوَقْتِ الشَّرْطُ عَدَمُ الْفِعْلِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ النَّهَارِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute