لِأَحَدِهِمَا، وَيَحْلِفُ لِلْآخَرِ مَا اسْتَقْرَضَ مِنْهُ شَيْئًا، وَهَذَا غَيْرُ مُشْكِلٍ؛ لِأَنَّ حَرْفَ التَّخْيِيرِ إنَّمَا ذُكِرَ فِي الْإِقْرَارِ لَا فِي الْإِيقَاعِ فَيَبْقَى مُوقِعًا لِلطَّلَاقِ عَلَى امْرَأَتِهِ عَزْمًا.
وَلَوْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ طَلُقَتْ الثَّالِثَةُ، وَالْخِيَارُ إلَيْهِ فِي الْأُولَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَدْخَلَ حَرْفَ التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأُولَيَيْنِ، وَابْنُ سِمَاعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْإِيقَاعِ عَلَى الْأُولَى، وَالْأُخْرَيَيْنِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: هَذَا طَالِقٌ أَوْ هَاتَانِ وَجَعَلَ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَدْ اسْتَقْصَيْنَا شَرْحَهُ فِي الْجَامِعِ.
وَإِنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفُلَانَةُ مَعَهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا خَبَرًا فَيَكُونُ الْخَبَرُ الْأَوَّلُ خَبَرًا لِلثَّانِي؛ كَمَا هُوَ مُوجَبُ الْعَطْفِ؛ وَلِأَنَّهُ ضَمَّ الثَّانِيَةَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: مَعَهَا، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الضَّمُّ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا مِثْلُ مَا وَقَعَ عَلَى الْأُولَى، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت أَنَّ فُلَانَةَ مَعَهَا شَاهِدَةٌ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ أَضْمَرَ لِلثَّانِيَةِ خَبَرًا آخَرَ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ قَالَ: فُلَانَةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَشْرَكْتُ فُلَانَةَ مَعَهَا فِي الطَّلَاقِ وَقَعَ عَلَى الْأُخْرَى ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الِاشْتِرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مِيرَاثِ أَوْلَادِ الْأُمِّ: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: ١٢] فَيَسْتَوِي فِيهِ الذُّكُورُ، وَالْإِنَاثُ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَشْرَكَهَا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِمَّا وَقَعَتْ عَلَى الْأُولَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ: بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ حَيْثُ تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ اثْنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَسْبِقْ وُقُوعُ شَيْءٍ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَتَنْقَسِمُ الثَّلَاثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قِسْمَةً وَاحِدَةً، وَهُنَا قَدْ وَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَرْفَعَ شَيْئًا مِمَّا أَوْقَعَ عَلَيْهَا بِإِشْرَاكِ الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُسَوِّيَ الثَّانِيَةَ بِهَا بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ: أَشْرَكْتُكُمَا فِي ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ لَمْ يَقَعْ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا اثْنَتَانِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ عَلَى الْأُولَى فَكَلَامُهُ فِي حَقِّ الثَّانِيَةِ إشْرَاكٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: بَيْنَكُمَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ، وَهُوَ يَنْوِي أَنَّ كُلَّ تَطْلِيقَةٍ بَيْنَهُمَا فَلِهَذَا تَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثًا.
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ: أَنْتُمَا طَالِقَانِ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ مَدِينٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِكَوْنِ الْمَنْوِيِّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ، وَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ لَهُ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ ثَلَاثًا يَنْوِي أَنَّ الثَّلَاثَ بَيْنَهُنَّ كَانَ مَدِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَطْلُقُ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute